الفنانة سميرة عبد العزيز: تزوجتُ أنا ومحفوظ عبد الرحمن بدون مأذون وبحضور أولادنا
- أدين بالفضل لسميحة أيوب في استمرارى بالفن
- "قال الفيلسوف" قدمته 40 عامًا واعتبره عمرى الفنى كله
- "البرنسيسة بيسة" يدعو إلى "القرف"
إنها ليست ممثلة عابرة في تاريخ الفن المصرى، ولكنها فنانة كبيرة وقديرة ومثقفة ومؤمنة بأن الفن رسالة وليس تجارة، لا تزال تنتقى أدوارها بعناية مفرطة، حتى لو كلفها ذلك البقاء دون عمل.
تُعرف بـ "أم العظماء" لتجسيدها دور "الأم" في عدد من مسلسلات السيرة الذاتية المهمة، ولأنها تؤمن بقيمة ما تقدمه، فإنها رفضت أن تكون أمًا في أفلام البلطجة التي ظهرت وسيطرت مؤخرًا. ارتبطت بواحد من أهم كتاب الدراما في العقود الأخيرة وهو الراحل "محفوظ عبد الرحمن"، لم يجمعهما الزواج فقط، ولكن جمعها الإيمان بأهمية الفن ورسالته الإيجابية، فكلاهما رفض التنازل مرارًا وتكرارًا. كانت ولا تزال شاهدة على مراحل مهمة ومحطات مؤثرة في تاريخ الفن، وزاملت فنانين كبارًا.. إنها الفنانة القديرة سميرة عبد العزيز التي استقبلتنا في منزلها الهادئ بمدينة الشيخ زايد، بكل ودٍ وحب وترحاب يليق بها، وفتحت لنا قلبها وصندوق أسرارها، لتروي لنا تفاصيل البدايات الأولى في الوسط الفني، وحكاياتها الخاصة مع زوجها الكاتب الراحل محفوظ عبدالرحمن، وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، والفنان الراحل أحمد زكي، وأسرارًا من مذكراتها الخاصة التي لم تكتبها بعد.
في البداية..كيف لعبت الإذاعة المدرسية دورًا في دخولك عالم التمثيل؟
كنت عضوا بفريق الإذاعة المدرسية بالمرحلة الابتدائية، وكنت أجتهد في تنويع ما أقدمه للتلاميذ من أبيات الشعر والأحاديث النبوية، والقصص، وكنت لا أعرف أنه حب للتمثيل، ولكنى أعتبره حب مخاطبة الناس، ومن هنا أصبحت عضوا رئيسيا في الإذاعة المدرسية، وعندما انتقلت للمرحلة الثانوية وجدت معلم التربية الفنية يشرف على تكوين فريق للتمثيل، وطلبت منه أن أصبح ضمن فريقه، ولكن الفريق كان وقتها لا ينقصه إلا دور رجل، فقلت له: "سألعب هذا الدور"، وبالفعل استجاب لى، وكان أول دور في حياتي وقفت فيه على خشبة المسرح،عن دور قس في مسرحية اسمها (الضحية)، وكانت باللغة العربية الفصحى، وفوجئت بحصولى على أفضل ممثلة عن هذا عن الدور.
هل رفض والدك دخولك التمثيل؟
عندما حصلت على جائزة أفضل ممثلة في المسرح المدرسي، ذهبت لوالدى وكان يعمل مدرسًا للرياضيات، فكان مسرورًا بما قدمته، حتى إنه اشترى له مجلات في المسرح والتمثيل، وقال لى: "اقرى بقى علشان تبقى فاهمة أنتى بتعملى إيه"، وعندما قرأت تلك المجلات عرفت أن هناك معهدا للفنون المسرحية يقبل خريجي الثانوية العامة، فطلبت من والدى الالتحاق بالمعهد ولكنه رفض وقتها؛ لأننا كنا نعيش في الإسكندرية بينما المعهد في القاهرة، ورد على:"الفن ده هواية والعلم أهم".
وكيف لعب القدر دوره في تجديد آمالك في التمثيل؟
كنت قد حصلت على الثانوية العامة، وانتقلت إلى الجامعة، وفي أحد الأيام ذهبت للعب تنس طاولة، فوجدت عددًا من الطلاب بجوار غرفة التنس، يلعبون أدوارا تمثيلية، فطلبت الانضمام للفريق، وقدمنا عرضًا في حفل التعارف، وبعد انتهاء الحفل وجدت مكتشف الأصوات الواعدة، ورائد الإذاعيين الراحل حافظ عبدالوهاب، ينادي على، وطلب من التمثيل في الإذاعة، وعندما قلت له: لن أعرف، كان رده: "هاعلمك"، وأعطى لى عنوان الإذاعة في الإسكندرية، وذهبت وقتها وأتذكر أنه كان في البداية يعلمنى كيفية مخاطبة الميكروفون، وكان أجمل درس في حياتي واستفدت منه كثيرًا، حيث علمنى كيف يمكنني أن أقدم صوتًا باكيًا أو ضاحكًا لمستمع لا يرانى، وكيف يمكن أن تصل أحاسيسي للمستمعين، وخلال ذلك قدمت العديد من البرامج في إذاعة الإسكندرية.
هل لعب الرئيس الراحل جمال عبدالناصر دورًا في احترافك التمثيل؟
تعود بالمشهد للوراء وتنظر بكل اعتزاز وفخر لصورتها مع الرئيس مع الرئيس الراحل:"خلال فترة الدراسة قدمت مع فريقى بالجامعة، مسرحية "المفتش العام"، ضمن مسابقة مسرح الجامعات، ونجحنا في حصد جائزة أفضل مسرحية، وتم اختياري باعتبارى بطلة العمل لاستلام الكأس من الزعيم الراحل، وقتها والدى لم يصدق أننى سأصافح جمال عبدالناصر، وكان سعيدًا للغاية حتى إنه كان يتمنى نيل شرف رؤية الرئيس، ووقف على الأبواب يشاهد ابنته وهي تتسلم الكأس من عبدالناصر، وكان فخورًا للغاية وظل يردد: "أنا بنتى هتسلم على عبدالناصر".
وما الذي حدث بعد تخرجك في الجامعة؟
أنشأت المحافظة حينها فرقة إسكندرية المسرحية، وكانت تتبع هيئة المسرح القومي، وقدمنا مسرحية "سيرة الفتى حمدان"، من إخراج حسن عبدالسلام، وكنت بطلة العمل، وقدمت فيها كل الألوان من غناء ورقص وتمثيل وكل شيء، وأعجب المخرج الراحل كرم مطاوع خلال حضوره العرض بما قدمته، وقال لى: "انتى إيه اللى مقعدك هنا؟..تعالى القاهرة..أنا عندي مسرحية للمؤلف المسرحي عبدالرحمن الشرقاوي، وهي بطلتها كده انتى"، وكنت سعيدة للغاية ووافقت على الفور، ولكنى أبلغته أننى عُينت مدرسة للمواد التجارية، فأبلغنى أن وزير التربية والتعليم صديقه وسيوافق على انتدابك لوزارة الثقافة، وقد كان انتقلت للقاهرة، ولعبت بطولة مسرحية "وطني عكا"، وكان أول درو احترافى لى على خشبة المسرح القومى.
هل واجهتك أي تحديات أو صعوبات خلال بدايتك على خشبة المسرح القومى؟
كانت سيدة المسرح العربي درعًا لي في مواجهة تيار غضب شباب المسرح القومي، حيث كانوا يرفضون فكرة أن تأتي ممثلة من الخارج، وتنفرد ببطولة أول عمل لها على خشبة المسرح، وكانوا يقومون بتصرفات مزعجة لى ومضايقات أثناء تمثيلي، وكانت ردة فعل سيدة المسرح العربي عندما رأت هذه التصرفات السيئة أنها غضبت للغاية وانفعلت عليهم: "دي بطلة فرقة، وبكالوريوس تجارة، واختارها المخرج..انتوا مش شايفين أنا بلعب الدور التانى بالعرض..هي أنسب للدور من أي حد تاني"، وكانت سندا لى ومن يومها وهي صديقتي الحميمة المقربة إلى قلبي، وأعيش بنفسها معى ونصائحها لى.
وماذا عن أول سهرة تليفزيونية شاركتِ فيها؟
كنت أقدم وقتها برنامج "هذا الفيلسوف" وجاء لى مخرج تليفزيون شاب، وناشدني بأن أنقذه وأشارك معه في سهرة تليفزيونية من الأدب العالمي، بعد اعتذار ممثلة رأت أن الابن كبير في السن فتركت العمل، وقال لى: "أنقذيني..أنا لو مصورتش بكرة هيفصلوني وهاتحول للمحاكمة"، فقلت له:"أنا معاك وهعملك الدور"، وقتها أخرج من حقيبته النص "24ساعة في حياة امرأة"، ووافقت ولم أخف، وكانت أول سهرة تليفزيونية لي.
هل يمكننا أن نعتبر سهرة "24 ساعة في حياة امرأة" الانطلاقة الحقيقية نحو إطلاق لقب "أم العظماء" عليكِ؟
بالفعل اعتبرها فاتحة خير على.. فبعدها أي مخرج لديه دور أم في أي عمل يطلبنى للعبه وتمثيله، وفتح لي دور الأمهات، وأعتبر نفسى فخورة بكل دور أم جسدته، وبالأخص تجسيدي لشخصية أم الأئمة أبو حنيفة، والترمذي، والشيخ الشعراوي، وكوكب الشرق أم كلثوم، ويكفينى شرفًا وفخرًا، عندما أدخل أحد المحال التجارية، وأجد الناس تعتبرني أمًا لهم جميعًا، وهذا يشعرني بالفرحة والسرور، وأحمد الله أننى أديت أدوار الأمهات بصورة مشرفة؛ لأننى أعتبر أن الأم المصرية من أحسن أمهات العالم، فهي المضحية،التي تنكر ذاتها من أجل زوجها وأبنائها.
ما الذي دفعك للالتحاق بالمعهد العالى للفنون المسرحية..على الرغم من أنك كنتِ بطلة للمسرح القومي؟
كان الفنان الراحل سعد أردش يخرج مسرحية، ورشحني وقتها مدير خشبة المسرح الذي كان معجبًا بأدائي والتزامي وحبي للتمثيل، للاشتراك في العمل، إلا أن أردش رفض لرغبته في ممثلة أكاديمية، الأمر الذي دفعني وقتها للالتحاق بالمعهد وتفوقت وكنت أول دفعتي خلال الـ4 سنوات، متفوقة على أحمد راتب وخالد زكي وأحمد حلاوة، والفنانة الراحلة زوجة الفنان محمد صبحي السيدة نيفين رامز.
ما الذي يعنيه لكِ برنامجك الإذاعي الشهير "قال الفيلسوف"؟
قدمته 40 عامًا..لذا اعتبره عمرى الفنى كله؛ وأتذكر أننى عندما انتقلت مع الراحل كرم مطاوع إلى القاهرة، ذهبت لمدير إذاعة الإسكندرية حافظ عبدالوهاب، وطلبت منه خطابًا للمشاركة في برنامج "بابا شارو" لأعمل في إذاعة القاهرة، فأعطى لي خطابًا، مكتوبا فيه: "أهديك صوتًا جميلًا ومثقفًا..برجاء الاستعانة به"، وكان ردة فعل الإذاعي الشهير الراحل بابا شارو أن ظل يسخر من الخطاب وسألنى: "إيه الصوت المثقف ده؟" فأجبته: أننى أتقن اللغة العربية بشكل جيد؛ لأننى درستها في التمثيل، وحكيت له عن أبرز المسرحيات التي شاركت فيها، وقتها اتصل بمدير البرامج الثقافية، وطلب منه الاستفادة من صوتى، وأعطي لى برنامج "أماكن لها تاريخ" باللغة العربية، ونجحت في الاختبار الذي امتحننى فيه، وقرأت النص بشكل صحيح، وكان منبهرًا بأدائي، وقال: "والله عنده حق.. صوت جميل ومخارج حروفك حلوة أوى وكويسة..انتى خلاص معايا في البرنامج علطول"، وبعد نحو شهرين من تقديمي لبرنامج "أماكن لها تاريخ"، فوجئت بمدير البرامج الثقافي يقدم لى برنامجا اآخر اسمه"قال الفيلسوف"، فحزنت وقلت له:"تعطيني برنامج 5 دقائق وتأخذ منى برنامج مدته ربع ساعة"، فرد على:"يا عبيطة دا هيبقى باسمك وهيذاع كل يوم"، وكان المخرج والمؤلف محمود شعبان قد اختارني لهذا البرنامج، بعدها قعدت بينى وبين نفسي أدرس كيفية تقديم ابنة الفيلسوف، وأضفت للدور نوعًا من الدلع، ووفقني الله ونجح البرنامج نجاحًا كبيرًا، وكنت أستقبل الكثير من خطابات المستمعين.
هل تتذكرين أول أجر حصلت عليه خلال عملك في الإذاعة؟
تضحك:" كان 136 قرشا بعد خصم الضرائب، عن برنامج "أماكن لها تاريخ".
ما الذي يعنيه لكِ مسلسل "ضمير أبلة حكمت"؟
كنت معجبة طوال عمرى بتمثيل الفنانة الراحلة فاتن حمامة، وحرصت وأنا طالبة في الجامعة على مشاهدة كل أفلامها في السينما، وكنت أقوم بتفصيل فساتيني مثل التي ترتديها في أعمالها، وعندما علمت من المخرجة إنعام محمد على بأننى سأشترك في مسلسل مع سيدة الشاشة العربية انبهرت جدًا وكنت سعيدة للغاية، وعرفت بأن فاتن حمامة هي من اختارتني للعمل معها، وفي أول يوم تصوير بالمسلسل التقيت فاتن حمامة ومجموعة العمل، في الصباح، وكانت وقتها تلقى خطبة الصباح، وأخطأت خلال ترحيبها بنا في نطق "الفتيات الجدد" بشكل صحيح، فأسرعت نحو المخرجة وقلت لها: مدام إنعام بتقول كلمة عربي غلط.. قولى لها تقول صح" فاعتذرت وطلبت منى أن أقوم بهذه المهمة، وترددت وقتها في إخبارها حتى لا تغضب أو تحزن منى، وفي النهاية قلت لها: "مدام فاتن عايز أقول لحضرتك حاجة..أنتى بتقولى جدد غلط..ممكن تقوليها بالعامية جداد"، وظلت تمرن نفسها على نطقها بالفصحى بشكل صحيح، وفرحت وقتها أنها تقبلت الأمر دون ضيق أو غضب، وطلبت منى وقتها أن أرافقها في غرفتها الخاصة خلال التصوير، وسارت بيننا علاقة صداقة قوية، وحكيت لها قصة حياتي وحكت لى عن أولادها وحفيدتها.
من هم أبرز الفنانين الذين تركوا أثرًا طيبًا بداخلك خلال مسيرتك الفنية؟
تأتي في المرتبة الأولى سيدة المسرح العربي سميحة أيوب، حيث كانت درعًا ودعمًا لى على خشبة المسرح القومي، وحريصة دومًا حتى وقتنا هذا على الأخذ بنصيحتها، وأدين لها ببقائي في الفن والتمثيل حتى الاَن، وكان من الوارد بعد المضايقات التي تعرضت لها في المسرح أن أعود إلى بلدى وأترك التمثيل، وشجعتنى ووقفت بجانبي، أما سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة برقتها الشديدة جدًا فكانت صديقتي المقربة، وكنت تأخذ بنصائحي، حتى أنها كانت ترفض استلام وسام الجمهورية من الرئيس السابق عدلي منصور، وقالت لى:"أنا مبحبش الحاجات دي ومبشوفش كويس؛ لأن نظرها كان ضعيف"، وأقنعتها أن تذهب للتكريم وبالفعل ذهبت، كما أقنعتها أيضا للذهاب إلى تكريم مهرجان الإسكندرية لها عندما أطلقوا عليها "نجمة القرن" ووقفت بجانبها خلال استلام الجائزة، وكنت ألجأ إلى نور الشريف كصديق مثقف في بعض الأدوار، وأقنعني بلعب دور السيدة الشريرة لأول مرة، وقال لى:"الممثل يعمل كل حاجة، وعايزين نشوف الشر الحديث"، وكان ذلك في مسلسل "خلف الله". أما يحيى الفخراني فأحترمه جدًا وسعدت بالعمل معه؛ لأنه إنسان متواضع إلى أقصى درجة ومحب لكل الناس ومريح جدًا في التعامل.
متى بدأت قصة حبك للكاتب الراحل محفوظ عبدالرحمن؟
تعرفت عليه من كتاباته في البداية، وكنت عضوًا في اللجنة الفنية بالمسرح القومى، وطلبوا منى في هذا التوقيت الذهاب إلى مسرح سيد درويش في الهرم، لمشاهدة العرض المسرحي لفرقة الكويت في عام 1980، وما إذا كانت المسرحية تليق بعرضها على المسرح القومي من عدمه، فانبهرت بالمسرحية للغاية، وكانت اسمها "حفلة على الخازوق"، بعدها طلبت من فريق العمل مصافحة المؤلف، فقالوا لى إنه في الكويت، فأبديت لهم إعجابي وتقديري لما كتبه، فأبلغوني أنه مؤلف مصري اسمه محفوظ عبدالرحمن، فشعرت بالمرارة وقتها وقلت في نفسي: "مصري وكاتب مسرحية حلوة يعطيها للكويت ولا يعطيها لمصر..ليه؟"، عدت بعدها إلى المنزل وكتبت تقريرا بأنها مسرحية جميلة وبديعة وتعالج كرامة المرأة، ولها بعد سياسي كبير وخطير جدًا. وخلال هذه الفترة أرسلت لي شركة قطاع خاص دورًا في مسلسل "عنترة" فوجدت اسم الكاتب الراحل محفوظ عبدالرحمن على الورق، وبعدما انتهيت من قراءة المسلسل وجدته "تحفة"، وانتهيت من تصوير المسلسل، ولم ألتق به، حتى جاء لي دور آخر في مسلسل "الفاتح" من تأليفه، من إنتاج عجمان، وكنت معترضة على صغر دوري بالعمل، فذهبت له وقتها وقلت له بلهجة شديدة الانفعال: "انت اللى كتبت مسرحية حفلة على الخازوق.. إزاي تديها للكويت وتمنعها عن مصر..هو انتوا بتجروا ورا الفلوس"، فأشار إلى بيده بكل هدوء وقال:"مش تعرفى الأول أنا ليه إديتها للكويت ولم أعطها لمصر"، فأكد لى أن الرقابة رفضت عرضها، ووافقت عليها الكويت، وكان يرغب في تمثيلها، فاعتذرت له:"أنا اَسفة جدًا..مكنتش أعرف"، وخلال مناقشتي معه طلبت منه أن يعطي مساحة أكبر لدوري في مسلسل "الفاتح"، فرد على:"اَسف مبكبرش أدوار لحد..لو مش عاجب اعتذري وسأقبل اعتذارك"، وقتها صمت عن الحديث وقلت بداخلي:"مؤلف كويس خسارة أخسره"، وقبلت وقتها وطلبت منه أن يجهز لى دورًا حلوًا في العمل القادم، فقال لى:"أحلى من عنترة كمان"، بعدها جاء مسلسل "ليلة سقوط غرناطة" وقدمت فيه دورًا رائعًا، وخلال تصويري أحد المشاهد بالمسلسل طلب منى الزواج، فرفضت رغبة منى في التفرغ للفن والتمثيل، خاصة أننى كنت قد خضت تجربة زواج في الجامعة وأنجبت ابنة، ولا أرغب في الزواج مرة ثانية، فكان رده مدهشًا:"أنا زيك وعندى تجربة سابقة ولدي ولد وبنت وبحب الفن، وهانعمل فن كويس مع بعض"، وقتها طلبت منه أن يعطيني وقتا للتفكير، وطلب منى رقم تليفوني الأرضي، وبدأنا نتواصل هاتفيًا، ونتحدث في كل شيء.
كيف كان زواجك من حكاء الدراما المصرية الكاتب محفوظ عبدالرحمن؟
كنا قد ذهبنا إلى تونس لتصوير أحد المسلسلات، وعندما وصلنا، سألنى عن قرارى في الزواج منه، فأخبرته أنني فكرت في الأمر، وحصلت على موافقة والدى ووالدتي، ولكنى أتمنى أن نظل أصدقاء، فرد علىَّ: "لأ هنتجوز"، وطلب من المحيطين أن يحضروا مأذونا على الفور، فأخبروه أن الزواج هنا مدني، وكان مخرج العمل أردنيا فجاء لنا بشيخ، وأشهر زواجنا في وجود شهود، وقال لنا :"لما تنزلوا القاهرة ابقوا وثقوا القران" وقد كان وأقاموا وقتها لنا فرحا وعلت الأغاني والأهازيج، وحضر الزفاف كل من ابنتى وابنته بعدما صارت بينهما علاقة إخوة خلال وجودهما معنا في تونس، وعندما عدنا إلى القاهرة أحضرنا مأذونا شرعيا في منزل الفنانة سميحة أيوب، وكان الشاهد على عقد القران سعد الدين وهبة، والسائق، وتمت الزيجة سنة 1983.
وماذا عن المواقف المؤثرة التي جمعتكِ بالراحل محفوظ عبد الرحمن وتظل حاضرة في الأذهان ومن الصعب نسيانها؟
في مرضه الأخير، استقبلت العديد من المكالمات للاشتراك في عدة أعمال، ولكنى اعتذرت عن جميعها، وكنت أرد على كل الاتصالات التي تأتيني: سأعتزل التمثيل ولا أريد أي عمل، وفي ظل ظروفه وهو مصاب بجلطة في المخ، ولا يستطيع النطق، وبكل صعوبة قال لى:"لأ يا سميرة..إحنا مش بس بنقدم فن..إحنا بنقدم رسالة.. لازم تستمر في تقديم الرسالة التي اتفقنا عليها"، وكانت وصيته الأخيرة لي، ولذلك عدت من جديد للعمل مع الفنان محمد صبحي من خلال مسرحية "خيبتنا"، بعدما عرض على، فقلت سأنفذ وصية الراحل محفوظ عبدالرحمن.
هل رفض الكاتب الراحل محفوظ عبدالرحمن أن يكون الراحل أحمد زكي بطلًا لفيلم "ناصر 56"؟
أبدا؛ لأن قصة الفيلم كتبت خصيصًا لأحمد زكي، ولكن محفوظ كان مترددا بسبب نحافة "زكى"، ولا أنسى محاولته وإصراره على إقناع زوجى بتجسيد شخصية عبدالناصر، حيث جاء أحمد زكي في أحد الأيام الساعة الـ7 صباحًا، ورن جرس الباب، فقمت لأفتح الباب، وحينها صرخت، عندما فوجئت به وكأنه عبدالناصر عاد من جديد للحياة، حيث ظهر وكأنه الزعيم الراحل بكل تفاصيل وجهه وكلماته وحركاته، وكان يرتدي جاكيت، وبسوالف بيضاء، وبأنف كبيرة، وبصوت يشبه الزعيم الراحل قال لي:"صباح الخير"..وقتها أصبت بالرعب وشهقت شهقة غريبة للغاية، وقلت:"اخس عليك يا أحمد"، فسألنى:"الأستاذ فين؟" فأجبته:"نايم"، فقال لي:"صحيه..قوليله عبدالناصر على الباب"..تبتسم وتقول:"الله يرحمه كان معجون فن"، بعدها دخلت لمحفوظ وطلبت منه أن يستيقظ سريعًا من نومه، وقلت له وأنا مضطربة:"قوم..قوم شوف أحمد عامل إيه"، وأتذكر أنه عندما شاهد محفوظ عبدالرحمن أحمد زكي بهيئة عبدالناصر، لم يعجب بالأنف الكبيرة، وقال له:"متركبش..إحنا عايزين روح عبدالناصر مش الشكل..لما هتجيب روحه وأداءه الناس هتصدقك، لكن ده مفتعل"، واستجاب الفنان الراحل، وقال:"أنا هقعد اتفرج على جميع خطاباته"، حينها أحضر محفوظ كل الخطابات من هدي عبدالناصر، وكان أحمد زكي يرغب في إجراء جراحة تجميل في أنفه تشبه أنف الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ولكن محفوظ عبدالرحمن منعه من ذلك.
على الرغم من كثرة أعمالك المسرحية والتليفزيونية..إلا أنكِ كنتِ مقلة في الأعمال السينمائية..ما هو السبب؟
السينما لها نظام خاص، سواء في السهرات أو التصرفات، لا يتفق مع قيمي وتقاليدي، والوقت الذي فكرت في دخولها ظهرت الأفلام الشبابية التي ليس في حساباتها الأم والأب، لذلك كانت الأعمال التي تعرض على غير مناسبة ولم تلق إعجابي، وأتذكر أننى شاركت في 7 أفلام وجدت فيها أدوارا تناسب أفكاري ورسالتي، ولم اهتم خلال مسيرتي الفنية بالانتشار السينمائي.
بعد غياب طويل عن المسرح..عدتِ من جديد من خلال مسرحية "خيبتنا" مع الفنان محمد صبحي..كيف حدث هذا؟
رفضت كل عروض المسرح الخاص؛ لأنها تجارية في الأساس، إلا الفنان محمد صبحي، حيث كنت معجبة دائمًا بأعماله المسرحية مثل "ماما أمريكا"، و"تخاريف"، وكنت أرى أنها أقرب إلى المسرح القومي، تقدم الكوميديا والقيمة والالتزام بعيدًا عن الرقص والإسفاف، وكان حلما يراودني العمل معه، وعندما توفي الكاتب الراحل محفوظ عبدالرحمن، تقوقعت وابتعدت عن المشهد بشكل كامل، حتى أقنعتني صديقة مقربة تعمل في ماسبيرو بالعمل في مسرحية "خيبتنا" وخلال زيارتي لمدينة سنبل عرض على محمد صبحي العمل معه في مسرحية "خيبتنا" ووافقت على الفور، فسألني عن المقابل المادي، فأجبته:"مش عايزة فلوس..أنا بحب الشغل..وعندى مرتبي ومعاشي وكل حاجة"، وأرى أن صبحي أنقذني من الانطواء والتقوقع بالحزن.
وماذا عن تجربة الفنان أشرف عبدالباقي في مسرح مصر؟
تتغير ملامح وجهها وتتحدث بضيق شديد: لا أوافق على ما يقدمه هذا المسرح، واعتبره تهريجا ومسخرة، ولا يجب أن يسمى بمسرح مصر؛ لأنه يعد إساءة لسمعة وصورة البلد!
هل رفضتِ مؤخرًا الاشتراك في بعض الأعمال الدرامية؟
كل ما أقدمه له رسالة ومضمونا، ورفضت مؤخرًا الاشتراك في مسلسل "البرنسيسة بيسة" بطولة مي عز الدين، والذي تم تصويره في فيلا البطلة، وعُرض في رمضان الماضى، واعتبره شيئًا يدعو إلى "القرف" وقلت لهم :"ده دور كنبة..انا مبشتغلش الحاجات دي"، فليس هدفى المال ولكن أرغب في تقديم قيمة للناس.
لماذا رفضتِ تقديم دور والدة الفنان محمد رمضان؟
كيف لأم العظماء، التي جسدت أم سيد درويش، وأم كلثوم، وعبدالوهاب، والإمام الترمذي، وإمام الدعاة الشعراوي، والإمام أبو حنيفة، أن تكون أمًا لبلطجي يلعب بالسكاكين، وقلت وقتها أنا لا أصلح..رفضت الدور وليس الشخص؛ لأنني لا أعرف عن سلوكياته في الحياة الحقيقية شيئًا، وبعد الهجوم غير الأخلاقي الذي تعرضت له من محمد رمضان، دافع عني الكثير من الناس، حتى إن قائد الجيش الثالث الميداني جاءني بنفسه وقدم شكره على رفضي تمثيل أم لبلطجي!
هل فكرتِ في كتابة مذكراتك؟
لم أفكر في هذا الأمر، ولكن لدىَّ الكثير ليكتب، ولكني كسولة لا أحب الكتابة، فقط يمكننى أن أقول إننى فقط حكاءة.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"