رئيس التحرير
عصام كامل

شهداؤنا وقتلاهم


بعض أشجار عتيقة تلف المنزل، ونسمات الهواء العليل تضفي على آخر أيام الشهر المبارك جلالا، وكرامات العيد الذي يطل على أرجاء الوطن الممدد شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، وهاتف بجوار سريري الناعم أداعب فيه أرقام العائلة، أتواصل معهم مهنئًا بعيد سعيد وأيام مباركة، ووطن يزخر برجال جعلوا الأمن والأمان ديدنه، أخذنى نعاس طويل لم يوقظني منه سوى صوت الأذان.. حان الفجر.. استيقظت.. توضأت.. صليت، وألقيت بجسدي المتعب على أريكة تقارب مساحة السرير إلى أن يحين موعد صلاة العيد.


كانت الساحة المعدة للصلاة تكتظ بالأطفال والنساء والشباب والشيوخ.. بالونات تزين الأجواء بألوان خاطفة، وضحكات الأطفال تضيف إلى العيد بهجة تعيدني إلى ذلك الزمن السحيق عندما كنا صغارا، يمثل لنا العيد ما هو أكبر وأوسع من كلمة الفرحة وعبارات التهنئة.. دعا الإمام للوطن والرجال وللنساء وللشعب وللأمة ورددنا من خلفه بقلوب صافية.. آآآآمين.


عدت إلى بيت الأخ الكبير الذي فارقنا قبل شهور عشرة، حيث كنا نلتقى جميعا.. كررنا ذات العادة لعلنا نستعيد بعض لحظات لا تزال تسكن الذاكرة بكل تفاصيلها رافضة المغادرة كما غادر صاحبها.. انتهينا من هذا الطقس الأسري الضارب في أعماق ذكرياتنا، وعدت إلى حيث أقيم.. فتحت الهاتف متواصلا مع زملائي السهارى في موقع فيتو.. صدمة عنيفة أتلقاها من الصديق إبراهيم عادل رئيس التحرير الليلي.


في الوقت الذي كنا فيه شعبا يحتفل بعيد منحه الله لأمة محمد هدية بعد حرمان شهر فضيل، كان هناك وعلى جبهة الجهاد رجال من فلذات أكبادنا على موعد مع الغدر الإرهابي الغاشم.. عاد إبليس بجنوده يهاجمون النور والأمل ورجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. تضيئ قائمة الاستشهاد بثمانية من لآلئ الصمود والبطولة.. انتقلوا إلى رب كريم وجنات عرضها السموات والأرض.


راحوا ؛ ليلعب الأطفال ويلهو الصغار وتنبت أشجار الأمان.. راحوا؛ دفاعا عن المصانع والمزارع والبيوت.. راحوا؛ ليحيا وطن تسري الطمأنينة في بدنه من صعيد بعيد إلى شمال يتسع لكل ملهوف.. راحوا؛ لتعلو أصوات المآذن وترتفع رايات الوطن وتنكس أعلام القهر والخوف والرهبة.. راحوا؛ دفاعا عن نسمات الاستقلال وجذور الهوية وطبيعة بلاد قال رسولنا الكريم عنها إنها في رباط إلى يوم القيامة.


قُبر خمسة من أعوان الشيطان، وفر آخرون، ولايزال رجالنا هناك خلف المدفع يطاردون فلول الإرهاب والعبث ومدمني الموت والغدر والكيد.. أما الشعب فهو الشعب لا يزال يقدم لقواته المسلحة وريد الحياة ومدد القوة، ويقف بكل ما يحمل من تاريخ تليد؛ ليعلن وفي كل مرة أن أقدم وطن في التاريخ قادر بجنوده على قهر المكائد والمؤامرات، كما فعل آلاف المرات، وفي مئات الحروب.. لنخرج في كل موقعة بنصر مبين للإنسانية ونخط في كل مرة معنى جديدًا للحياة.


بعض مواقع داعمي الإرهاب في قطر تصف الشهداء بالقتلى، وهم أصحاب العيون التي باتت تحرس في سبيل الله، وعدها الله بأن تنعم يوم القيامة بظله يوم لا ظل إلا ظله.. شهداؤنا ودعوا الحياة إلى خلود ووعد بالجنان.. ودعوها وهم يحمون لحظة هادئة لأم في قرى مصر، وأب في نجوعها، وشباب في مدارسهم وجامعاتهم.. أما قتلاهم فقد أفطروا على وجبة من الغدر وشربة من الخيانة، فهل يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة.. أصحاب الجنة هم الفائزون.. اللهم إنهم سهروا الليالي مدافعين عن نعمة الأمن.. اللهم إنك غفور رحيم؛ فارحم ذويهم وأؤجر شهداءنا يااارب.

الجريدة الرسمية