رئيس التحرير
عصام كامل

"العاصوف" في القمة وعصف بالآخرين


يلمس المتابع لدراما رمضان العربية، تميزها عاما عن آخر على صعيد الطرح، المعالجة الدرامية، الرؤية الإخراجية، واهتمام غير عادي بثراء الصورة والأداء التمثيلي، ما جعل المشاهد يحرص على متابعة الدراما السورية وبعدها اللبنانية، ودخلت على الخط أيضا أعمال مميزة من الدراما الخليجية، في حين نعلم جميعا ما تعانيه الدراما المصرية على مستوى الطرح والقضايا التي تناقشها، وإن شهدت تغييرا للأفضل في الصورة تأثرا بالدراما التركية.


مرافقة مهمة لا تغيب عن الذهن في العامين الأخيرين، وهي أن القناة التي تنتج برنامج مقالب رامز جلال، بكل ما فيه من سخف، إهانات، تسطيح، بذاءات، و"فبركة"، هي نفسها التي تنتج أجمل وأعمق دراما سعودية "العاصوف"، عمل يدعم ويترجم مشروع وطن، يستعيد عبر حبكة ثرية مؤثرة، وخطوط درامية شيقة، حقبة مفصلية في تاريخ السعودية، منذ مطلع السبعينات وتحولها إلى المدنية الحديثة، منقبا في الوقائع عارضا الأبرز والمؤثر في الحياة وتداعياته، من المد القومي والأحداث العربية الكبرى، ويتوقف مليّا عند نشاط التيار الديني فيما يُعرف بـ"الصحوة" التي فرضت سطوة رجال الدين على الحياة الاجتماعية في المملكة سنوات طويلة.

في "العاصوف" تحول الفنان "ناصر القصبي" من الكوميديا إلى التراجيديا، يساند "رؤية المملكة ويفضح المتاجرين بالدين"، بأدلة دامغة ووقائع تاريخية ثابتة شهدها العالم أجمع، حتى يتعرف الجيل الجديد على ما عانته السعودية من "شيوخ الصحوة والإخوان" لأكثر من 40 عاما.

قليلة هي الأعمال التليفزيونية التي تجذب المشاهد لمتابعة جميع حلقاتها، ومنها "العاصوف" ويعني الريح الشديدة التي تهب على مكان فتعصف به وتغير ملامحه، كما عصفت "الصحوة" بالسعودية وسيطرت على المجتمع لعقود، وسعى رموزها مع خلاياهم المنتشرة في الدروب والمدن، لبث سمومها كأفاع لا يسمع فحيحها، مد متشدد متستر بالدين مكن جماعة متطرفة تضم سعوديين وجنسيات عربية لتحقيق مآربها ونشر أفكارها لا سيما بين الشباب بدعوى الجهاد والإسلام بمفهومه الصحيح.

أما نجم العمل "ناصر القصبي"، فتربع بهذا العمل على قمة الدراما العربية، وعصف بجميع المنافسين في رمضان، وقال بما أتيح له من إمكانيات ما عجز عنه الآخرون، من خلال معايشة صادقة لحقبة السبعينيات بجميع تفاصيلها الدقيقة، ما جعله يتصدر المشاهدة يوميا، ويحل "ترند" في التواصل الاجتماعي بصور ومقاطع من الحلقات، ونقاش المغردين لا سيما حلقات تناولت اقتحام الحرم المكي وتداعياتها..

وهي الحلقات التي بلغ معها المسلسل ذروة السخونة والإثارة، إذ تمكن فريق العمل من تنفيذ حلقات أقرب إلى واقع "اقتحام الكعبة" كما حدث قبل أربعة عقود، في أول توثيق درامي لأحد أبرز الأحداث في تاريخ السعودية، حين اقتحمت مجموعة إرهابية مارقة مكونة من نحو 200 رجل، بقيادة "جهيمان العتيبي" و"محمد عبدالله القحطاني" المنتميين إلى "الجماعة السلفية المحتسبة"، الحرم المكي فجرًا وسيطرت عليه بقوة السلاح، معلنين ظهور "المهدي المنتظر"، وكيف هاجم الأمن الجماعة المسلحة، التي تحصنت في طوابق وأروقة وأسطح الحرم الشريف، وسقط ضحايا من الإرهابيين ورجال الأمن، في وجود آلاف المحتجزين في الحرم من المصلين والمعتمرين، الذين أذهلتهم الحادثة كما فاجأت العالم بأسره في العام 1979.

ورغم إعدام من بقي حيا من مقتحمي الكعبة، لكن ظلت أفكارهم المتطرفة مسيطرة على الكثير من الشباب السعودي، إذ نجح شيوخ "الصحوة" في غسل أدمغتهم بشعارات الجهاد والتكفير وغيرها.

لم يخل "العاصوف" من أخطاء لم ينكرها فريق العمل، لكنها بسيطة قياسا بالجهد الكبير والتوثيق الرائع لحقبة من أخطر ما شهدته المملكة، تغيرت خلالها مفردات الحياة بشكل جذري.

عند النظر في المقابل إلى الدراما المصرية الرمضانية هذا العام، وبصرف النظر عن غياب كبار النجوم، نجد مثلا أن تقرير لجنة الدراما في المجلس القومي لحقوق الإنسان، اعتبر "دراما رمضان هذا العام الأكثر فقرا وبلا أفكار، وأن مستوى جودة المسلسلات انخفض عن السابق".

بينما يكشف تقرير المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وتقييمه مسلسلات رمضان، حجم التدني والابتذال في الدراما المصرية، ولم ينج من تقرير رصد المخالفات سوى دراما "حكايتي" بطولة ياسمين صبري، و"طلقة حظ" بطولة مصطفى خاطر، فهما أفضل عملين بلا مخالفات، بينما كان الأكثر حصولا على المخالفات "هوجان" بطولة محمد عادل إمام، وأقلها من ناحية المخالفات "لآخر نفس" بطولة ياسمين عبد العزيز.

أما بقية المسلسلات، فتراوحت في كم المخالفات بين مشاهد العنف، الألفاظ السوقية، البذاءات، الإيحاءات الجنسية، تناول الخمر وتعاطي المخدرات، عدم احترام القانون، إهانة المرأة وتشويه صورتها، الحض على الكراهية، عدم احترام الهوية المصرية، السباب والشتائم.

وبينما يحصد مسلسل "ولد الغلابة" بطولة أحمد السقا، متابعة جماهيرية لافتة، لاحقته تهمة الاقتباس من المسلسل الأمريكي "Breaking Bad"، ورأى البعض تشابها كبيرا في الحبكة الأساسية ونسخ مشاهد كاملة، ليرد المؤلف أيمن سلامة في بيان، تبرئة لنفسه من الاقتباس، لكن أمام الهجوم الشديد عليه بعبارات غير لائقة، اضطر إلى حذف البيان.
الجريدة الرسمية