العولمة وانهيار نظريات الاقتصاد التطبيقي والنظري
تعتمد قواعد الاقتصاد التطبيقي أن تخفيض الفائدة يؤدي إلى زيادة ضخ الأموال من خلال القروض في ذات السوق، وبالتالي تنشيط المشروعات، ولكن على العكس فقد نجح "جرينسبان" رئيس البنك الفيدرالي الأمريكي في عهد "بيل كلينتون" في خطته نحو إنعاش الاقتصاد من عام ١٩٩٢ إلى ٢٠٠٠، بزيادة سعر الفائدة..
حيث الأهم أن زيادة سعر الفائدة تمكن البنوك من استقطاب الأموال لتوجيهها نحو أنماط محددة محفزة للاقتصاد الكلي.. هكذا كتب "كينيتشي اوهماي" -اشهر المخططين الاقتصاديين في العالم- في كتابه "مسرح العولمة الجديد" الذي اثار فيه إلى ثلاث عناصر:
أولا: سقوط الحدود عن المؤسسات، فقد اصبحت الشركات متعددة الجنسيات تمارس البحوث والتطوير R & D في فرنسا والتصميم في ألمانيا والصناعة في الصين والتمويل في لندن والتسويق الإلكتروني في الهند والإدارة في الولايات المتحدة.
ثانيا: سقوط الحدود عن المستهلكين من خلال التجارة الإلكترونية وبطاقات الائتمان.
ثالثا: سقوط الحدود عن السلع، فقد أصبحت السيارة الألمانية تصنع الرقائق الإلكترونية في الصين والمقصورة في إيطاليا والشاسية في ألمانيا أما برامج الذكاء الصناعي ففي الهند.
لا يمكن تقييم نظرية إلا في إطار الظروف والإحداثيات التي عاصرها صاحبها، فنظريات "آدم سميث" تواجه تحديات لأن في القرن الثامن عشر كان القطاع الخدمي أقل حجما وتأثيرا، حيث إن اقتصاد الولايات المتحدة الخدمي ٨٠٪ أيضا الهند ٦٦٪. والإمارات ٧٨٪. وهونج كونج وسنغافورة تماثلها... أما نظريات "ديفيد ريكاردو" فقد بزغت في بدايات عثر الصناعة، لذا فلم تواكب الطفرة الإنتاجية الصناعية من حيث الإنتاج والتطور والابتكار، اما نظريات "جون مينارغ كنز" فقد عاش فترة الكساد الكبير، لذا فقد وضع نموذجا للاقتصاد المنغلق ولم يدرك عولمة الاقتصاد وأثرها.
في عصر "سميث" و"ريكاردو" كانت مهام الدولة هي الحروب فقط، أما اليوم فإن تحديات الدولة نحو القطاع الاقتصادي الخدمي أكبر بكثير (صحة - تعليم - إسكان).. وأصبحت الدول العظمي تخسر والدول النامية تحقق أرباحا ناتجة عن انخفاض سعر المنتج.. أن اقتصاد العولمة اختلف كليا عن الاقتصاد التقليدي.
في ٢٠١٨ حاز "بول رومر" على نوبل في الاقتصاد، لنظرية النمو الاقتصادي بتفكيك نموذج "سولو" وإعادة بنائه، استنادا إلى طبيعة ووزن عامل التقدم التقني للاقتصاد، الذي اعتبر سابقا خارج المنشأ في تغير معادلة النمو، بما أدي لإثبات فرضية أن التقدم التقني ليس عاملا خارجيا بل هو عامل ذاتي المنشأ، واصبح جزء من معادلة النمو الاقتصادي..
ونشر "رومر" مقالة في Journal of Political Economy سنة ١٩٩٠ حول “التغير التكنولوجي ذاتي المنشأ”، وقد حدد أربعة متغيرات تشكل معدل النمو الاقتصادي: الرأسمال النقدي والعمل والرأسمال البشري ومعدل التكنولوجيا في الدولة.. ليعيد المفهوم العلمي للنمو الاقتصادي.
في كتاب آخر لنفس الكاتب وهو "الاقتصاد العالمي المرحلة التالية"، قال إن إحداثيات العولمة أثبتت أن تفوق الدول لم يعد يعتمد على الموارد الطبيعية أو التصدير للدول فقط، إنما هناك عوامل أخرى نحو الازدهار الاقتصادي، ففي فنلندا وأيرلندا استطاعوا استحداث نموذج مميز في التعليم، وتقديم طالب يناسب تحديات العولمة الاقتصادية، رغم أن هاتان الدولتان يتميزان بقلة الموارد البشرية بسبب قلة عدد السكان، ومواقعهما النائية، وقد مرت الدولتين بأزمات اقتصادية ومجاعات في تاريخها، ولكنهما كانا أكثر اندماجا في الاقتصاد العالمي.
ظهر علم الاقتصاد السلوكي ليغير مفاهيم الاقتصاد الكلاسيكي، من خلال علم الاقتصاد السلوكي، فكانت نظريات "دانييل كانيمان" الحائز على نوبل، ومن بعده "ريتشارد ثيلر" الحائز أيضا على نوبل لإثبات إن النظريات الكلاسيكية أخفقت في تفسير سلوك المستهلك، من خلال قواعد جامدة للسلوك البشري عند الاستهلاك، ولكن الطبيعة البشرية تتجه في اغلب الأحوال نحو قرارات شراء غير عقلانية تحقق احتياجات نفسية، قد يعتقد الفرد انها تحقق تميزه ورقيه أو سعادته.
إن تجربة النمو لدول مثل الهند والصين اعتمدت نموذج المنطقة ذات السيادة الاقتصادية ( region - state) لتواكب العولمة الاقتصادية، وتحقق منها عوائد نحو نمو الاقتصاد القومي، من خلال الانفتاح على الاستثمارات الأجنبية، أيضا نجحت الدولتان في دمج القطاع الخاص المرن في إدارة مؤسسات وشركات الدولة بعيدا عن البيروقراطية، في شكل مؤقت للتنازل عن سيادة الدولة ولكنه حقق في المدي الطويل سيادة الدولة واستقلالها الاقتصادي بما حقق نموا مستمرا ولا تستمر هذه النسب المرتفعة الا بزيادة المناطق الاقتصادية تباعا..
لقد طورت هذه الدول مفهومها عن السيادة بالانفتاح والتعليم الإلكتروني وتقليل العوائق أمام الاستثمار الأجنبي واللامركزية لتسبب قلقا للولايات المتحدة فتشن عليهم حروبا اقتصادية.