رئيس التحرير
عصام كامل

"رمضان" الشيخ رفعت والنقشبندي.. والدين المعاملة!


أعشق شهر رمضان والصيام منذ طفولتي، الشهر الوحيد الذي أنتظره منذ أول أيام عيد الفطر، أحسب عمري بشهر رمضان، وأيامه ولياليه، لم أشعر في أي يوم من الأيام بضجر من الصوم سواء كان في الصيف أو الشتاء، أحببته منذ ترامى إلى مسامعنا أذان المغرب ونجري أطفالا في القرية ونغني "افطر يا صايم على السكر العايم"، كنا كلما شاهدنا الشيخ "إبراهيم أبو سلامة" اعتلى المسجد ليؤذن نهتف كلنا "طلع أهه.. طلع أهه"..


أذكر ليالي الشيخ "إبراهيم" في النصف الأول من الستينيات، ولم يكن هناك تليفزيون ولا حتى متوفر الراديو بين الناس، كان يجمع الشباب في حجرة من بيتنا من بعد التراويح وحتى السحور، ليحكي لهم عن المشايخ الكبار "محمد رفعت" و"المنشاوي" و"مصطفى إسماعيل" و"عبد الباسط عبد الصمد" وغيرهم عن أصواتهم ونوادرهم أيضا..

ولا يزال صوت أذان الشيخ "محمد رفعت" هو أذان المغرب في رمضان، وإنشاد "النقشبندي"، وألف ليلة وليلة، ذلك العالم السحري الذي ساهم في خلق مساحة هائلة من الخيال لأجيالنا، وكنا ننتقل من شبكة الشرق الأوسط ومسلسلات العبقري المخرج محمد علوان إلى البرنامج العام، و"فؤاد المهندس" و"شويكار" ولمة العيلة الأب والأم والأشقاء وأقارب وربما ضيوف، ولا نجد كراسي للزحام على سفرة الأكل، أيام وليالٍ رسخت في قلوبنا وذاكرتنا حب وعشق شهر الصيام.

ولكن لا بد أن ينتهي الشهر مثل كل شيء في الدنيا، من له بداية لابد أن تكون له نهاية، وبالتالي ماذا نحمل معنا من صيام رمضان طوال العام؟ الامتناع عن الأكل والشرب ليس هو الهدف من الصيام، هناك أهداف كثيرة التكافل الاجتماعي ليس خاصا في رمضان ولكنه طوال العام، وإذا كان الإحساس بالفقراء أحد أهداف الصوم، لكن ما أريد الإشارة إليه هو من أهداف الصيام هو تهذيب النفس وبالتالي السلوك..

نعم.. تهذيب السلوك، تهذيب أسلوب التعامل بين الناس، وإذا كان هذا أحد فوائد الصيام تهذيب السلوك، فإن الرسالات السماوية هدفها الحقيقي تهذيب السلوك بين البشر، وكما قال سيدنا رسول الله "الدين المعاملة"، أي السلوك مع الغير، الصيام شيء ممتع، لكن لا بد أن يصاحبه سلوك راق يحترم الآخرين ويحافظ على حقوقهم..

جميل أن أصلي التراويح في المسجد والأجمل أن أحافظ على حق الطريق، وأحافظ على حق الجار، وأرى الله في تعاملي مع أهل بيتي زوجتي وأبنائي وعائلتي، جميل أن أختم القرآن عدة مرات في شهر رمضان، والأجمل أن أحافظ على إتقان عملي، وأحترم الكبير والصغير، وأدرك أن هذا جزء من إيماني بالله..

وكما تعلمنا العمل عبادة، ولكن ليس أي عمل ولكن العمل المتقن المؤدَّى بضمير حي، جميل إطعام المساكين في رمضان والأجمل استمرار رعاية غير القادرين بعد رمضان، جميل أن تحرص على عدم الكذب في رمضان، الأجمل أن يكون الكذب أمرا مرفوضا ومكروها في رمضان أو غير رمضان، هل فعلا نستطيع أن نمارس حياتنا بشكل إنساني راق؟

لا أتصور أن نمارس الخطأ من منطلق أننا سنصوم وندعوا الله أن يسامحنا، لا.. الناجح من يخرج من شهر الصيام بقيم إنسانية جميلة، تظهر في المعاملة في الشارع.. في العمل.. في البيت، لو استطعنا أن نفعل ذلك نكون قد نجحنا والعام كله رمضان.

ملاحظة سريعة على ما شاهدته على قنوات التليفزيون المصري، كنا زمان نشاهد مسلسلا دينيا مثل "محمد رسول الله"، أو تاريخيا مثل "الفرسان" أو "عمر بن عبد العزيز" أو حتى "أم كلثوم" أو "قاسم أمين" أو "الغزالي" أو "علي مصطفى مشرفة"، هناك مسلسلات لا حصر لها من الستينيات "عبقرينو" و"القاهرة والناس"، ثم في السبعينيات "الدوامة" و"على باب زويلة" و"بابا عبده" و"أبنائي الأعزاء شكرا"، "هي والمستحيل" وصولا إلى "ليالي الحلمية" و"جمهورية زفتى"....إلخ

شاهدت أربعة مسلسلات أحدهم البطلة هربت من أسرتها ليلة الزفاف لأنها لا تريد الزواج من ابن عمها، والمسلسل يدعو كل من تختلف مع أهلها اهربي وستجدين شابا يحبك وتعيشين حياتك وبعد هروبك سيأتي والدك يعتذر لك!.. دعوة خبيثة تدمر القيم الإنسانية الدينية، وآخر لم أفهم منه أي شيء ولا أعرف أوله من آخره إلا أنه مزدحم بالبنات الجميلات ومن كل لون وبدون أي قيمة سوى عرض مجاني للملابس وأجساد البنات، وثالث لا هو خيال علمي ولا حتى تخلف علمي ولا "أي حاجة"، الرابع قررت بعد عدد من الحلقات عرض نفسي على طبيب نفساني!

أخيرا.. واضح تماما أن القائمين على أمر الفن غير مدركين الرسالة الاجتماعية المهمة للدراما، نحن في مجتمع لا يزال يحتاج الدراما لتقدم له الحلول والمشكلات لتساهم في تغييره وتطويره!
عيد فطر سعيد على كل المصريين والإنسانية.
تحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر.
الجريدة الرسمية