رئيس التحرير
عصام كامل

اكتئاب بالخطأ!


غالبا أراجع اسم الدواء وأطابقه بالتذكرة الطبية الموصوفة من الطبيب "الروشتة"، ومدى صلاحيته للاستخدام بعد صرفه، من قبيل الاطمئنان أن الصيدلي لم يقم بصرف أي دواء مشابه، أو اختلطت عليه الأسماء، فأتى بأقرب دواء على هيئة الحروف المكتوبة في روشتة الطبيب، أو أن يكون من يتولى شؤون الصيدلية، في هذا التوقيت صاحب مؤهل آخر غير علوم الصيدلة.


مؤخرا ذهبت أحد الزميلات إلى الطبيب لشكوى من بعض المشكلات في القولون والمعدة وأعطاها الطبيب الدواء المناسب، وكانت الروشتة مكتوبة بخط واضح وبحروف مفصلة تماما، حتى لمن لا يعرف أسماء أدوية من قبل، أو تعامل مع هذه العلاجات، بشكل ييسر للصيدلي قراءتها.

تناولت الزميلة أول قرص من الدواء وبدأت بعدها بساعة أو أكثر في الشعور بالخمول والتعب، ودفعها هذا لقراءة الآثار الجانبية للدواء، وفجعت عندما وجدت أنه دواء يستخدم لعلاج أمر آخر تماما، فأخرجت الروشتة لكي تتأكد، ووجدت بالفعل اختلافا شديدا، بين ما كتبه الطبيب بخط واضح لعلاج المعدة، وبين ما صرفه الصيدلي والذي اتضح أنه منوم يستخدم في علاج الاكتئاب، كون الداوئين يتشابهان في الأحرف الأولى.

ربما جاء الخاطر إليها بعدما أحست بتأثير المنوم، أن تقرأ الآثار الجانبية، ولولا ذلك ما انتبهت، واستمرت على تناول دواء لغرض آخر تماما، لكن عناية الله أنقذتها بسبب خطأ واستسهال من قام بصرف العلاج، فما بالك بمئات الحالات التي لاتعرف القراءة، أو كبار السن، الذين لا يبالون بمراجعة اسم الدواء بعد صرفه ومطابقته بالمكتوب في الروشتة.

حالات أخرى مشابهة في صيدليات القرى تحديدا، حينما يتولى أمورها أصحاب مؤهلات عليا أو متوسطة، مع كامل التقدير لهم لكن في تخصصاتهم، وحدث هذا حينما صرفت عاملة في صيدلية، تحمل مؤهلا متوسطا، دواء يستخدم في علاج أحد الأمراض الخطيرة المستعصية، بدلا من مياه مقطرة، ولولا أن المريض يعرف شكل العبوة ودفعه هذا للشك، لدخل في مشكلات صحية لا حصر لها.

وفى بحث منشور بمجلة المحامين العرب، العدد الخامس، تحت عنوان "مسؤولية الصيدلي عن التذكرة الطبية في القانون المصري والسعودي والفرنسي"، فإن مسؤولية الصيدلي عن التذكرة الطبية تبدأ حينما تصل إليه فيتعهد جيدًا بالقراءة ويبدأ في تحضير العقار أو العقاقير المذكورة بها وتركيب ما يجب تركيبه كما هو مدون بالتذكرة ثم يقوم بكتابة عدد الجرعات على العبوة والمقدار المسموح بتناوله (2 كبسولة – أو ملعقة صغيرة أو كبيرة) والمواعيد ويحرص على توضيح ذلك للمريض أو ذويه.

كما يلتزم الصيدلي قانونًا بفحص ومراقبة التذكرة الطبية، وعليه أن يراجع الطبيب المعالج إن اكتشف فيها ثمة خطأ بسبب تقارب أسماء الأدوية، فإن أصر الطبيب على ذلك مع تبينه وجه الخطورة، فيمكن أن يطلب تأكيدات كتابية منه، وإلا فله الحق في الامتناع عن صرف التذكرة، وعليه أن ينبه المريض لعواقب تناوله الدواء خاصة إذا احتوى على مواد سامة.

ويجب على الصيدلي أن يتأكد من صرف الدواء المدون بالتذكرة فعلًا، خاصة أن بعض الأدوية قد تتشابه في أسمائها التجارية، ويُسأل الصيدلي مدنيًا وجنائيًا وتأديبيًا، وفق بعض القوانين، عن أي أضرار للمريض ناتجة عن خطأ في بيع الأدوية المسجلة بالتذكرة.

وقد قضت محكمة "كليرموفيرون" الفرنسية بمسؤولية صيدلي عن صرف دواء بطريق الخطأ، مختلف عن الدواء الموصوف بالتذكرة، إذ كان الدواء الموصوف هوSolute Isotonique de clorure de sodium a 8% فقام الصيدلي بصرف دواء آخر (وهو حقن) يسمى Solute Hypertonique a 20%، وذلك بطريق الخطأ نظرا للتشابه الظاهري بين الدوائين، وبعد تعاطي المريضة الحقن تدهورت حالتها ونتج عن ذلك عجزها عن العمل.

لذا نهيب بالسادة الأطباء كتابة روشتة الدواء بخط واضح ومفسر، كما نهيب بالسادة الصيادلة مراجعة الدواء حال صرفه ومطابقة العبوة بالروشتة، كما ندعو كل مريض، للوعي والتأكد في حالة كان خط الطبيب غير واضح، بأن يقوم بقراءة النشرة الطبية للدواء ومطابقتها بتشخيص الطبيب له، مخافة الخطأ والهلاك، فالصحة غالية، ولحظة مراجعة بسيطة قد تُعفي من دوامات مرض كبيرة، عافاكم الله جميعا.
الجريدة الرسمية