ما بعد قمة مكة
القمة العربية، وقبلها القمة الخليجية، كانت بمثابة مظاهرة تأييد ودعم واسعة لدول الخليج العربية بصفة عامة والمملكة العربية السعودية بصفة خاصة، في مواجهة إيران التي نالت تنديدا عربيا واسعا ضد تهديداتها للأمن القومى العربى، وتدخلاتها في الشأن العربى، واستخدامها الحوثيين في ضرب أماكن عديدة من السعودية منها مكة المكرمة بالصواريخ والطائرات المسيرة، واحتلالها جزر الإمارات، وإثارتها الفتن في البحرين.
غير أن الملفت للانتباه أن العراق لاعتراضها على البيان الختامى للقمة العربية أثرت ألا تشارك في هذه التظاهرة ضد إيران، وإن كانت حرصت على إعلان تضامنها مع السعودية فيما تتعرض له من مخاطر وتهديدات.. وهنا يمكننا تبين مدى النفوذ الإيرانى في هذا البلد العربى الشقيق، والذي يعد أحد نتائج الغزو الأمريكي له.
ولا يقل أهمية عن ذلك موافقة قطر على البيان الختامى للقمة العربية وقبلها القمة الخليجية دون تحفظ أو اعتراض، رغم التحالف القطرى الإيرانى، وهو مع رئاسة الوفد القطرى رئيس الوزراء أمر مُلفت أيضا للانتباه.. وقد يكون وراء ذلك أمريكا التي تبغى الآن أقصى قدر من الضغط على إيران لإجبار قادتها على الجلوس مجددا للتفاوض حول برنامجها النووى، وبرنامجها لتوسيع نفوذها في محيطها الإقليمي.
أيضا الملفت للانتباه أن لبنان التي يوجد فيها حزب الله الذي تربطه علاقات وثيقة مع إيران، وافق هو الآخر على البيان الختامى الذي يندد بإيران ويوجه لها اتهامات واضحة وصريحة بالتدخل في الشأن العربى.. وبالطبع يمكن تفسير ذلك أن وفد لبنان للقمة كان يرأسه "الحريرى" الحليف القوى للسعودية.. غير أنه لا يمكن استبعاد أن يكون لذلك تداعيات داخل لبنان ذاته، والمتوقع أن يخرج "حسن نصر الله" ليعلن رفضه لبيان القمة العربية، وربما يؤدى ذلك أيضا إلى حدوث أزمة داخل البرلمان اللبنانى والحكومة اللبنانية التي تضم وزراء تابعين لحزب الله.
كذلك الملفت للانتباه أن دول المغرب العربى وافقت هي الأخرى كلها على البيان الختامى للقمة العربية، وهو ما يعنى تخليها عن الموقف الذي كان ينأى بالنفس عن اتخاذ موقف صريح تجاه التهديدات الإيرانية للعرب.. وإذا كانت كل من الجزائر وليبيا مشغولة بالهموم الداخلية، فإنها من المتوقع أن يكون لذلك تداعيات داخل تونس التي يتواجد فيها حزبا داخل البرلمان له علاقاته القوية، هو والتنظيم الدولى للإخوان، هو حزب النهضة الذي يتصارع مع رئيس الجمهورية التونسي، وبدا يدخل في مشكلات مع رئيس الوزراء قد تفض التحالف معه.
وأخيرا يبقى السؤال الذي يطرحه كثيرون: ماذا بعد القمة العربية الطارئة في مكة، بل بعد القمم الثلاث التي احتضنتها، خليجية وعربية وإسلامية.. فهل ينتهى الأمر عند الدعم المعنوى الذي حظيت به المملكة العربية السعودية، خليجيا وعربيا وإسلاميا، فقط؟!.. وهل سوف تؤثر تلك التظاهرة الكبيرة ضد إيران واذرعها في المنطقة عليها، وهى التي كانت تسعى لتخفيف الضغط الأمريكي عليها بعرض توقيع معاهدات عدم اعتداء معها؟!.. سوف نرى.