رئيس التحرير
عصام كامل

عندهم "ليوان" وعندنا "شلال وألغام"


تتباين الآراء حول الأعمال الفنية إعجابا وانتقادا تبعا للميول الشخصية وعوامل عدة لسنا بصدد تفصيلها. لكن هناك إجماع على ما بلغته برامج المقالب المصرية من انحدار وتدن وسخافة وفي حلقات بعينها زادت البذاءة والشتائم دون مراعاة خلق أو أدب أو حتى صغار يقلدون ما يشاهدونه ويعتبرون المشاهير صفوة المجتمع وبالتالي قدوة!


أتذكر برامج "الكاميرا الخفية" في الماضي ومواقفها البسيطة المضحكة ورد الفعل العفوي المؤدب بلا افتعال أو اتفاق مسبق، لأن أبطالها كانوا من العامة والجمهور، وعليه كانت التكلفة بسيطة والمصداقية أكبر.

لكن عندما دخل المشاهير على الخط، بدأت "الفبركة" والاتفاق المسبق على ما يحدث، وتعدت تكلفة الإنتاج عشرات الملايين، ما استوجب المبالغة في أداء دور الخائف والمتفاجئ مما يحدث مقابل أجر تقاضاه الضيف، لعل وعسى يقنع المشاهد أنه ضحية مقلب حقيقي.

استسهال أصحاب البرامج وضيق أفق مقدمي تلك البرامج جعلهم يختارون أفكارا تميل إلى العنف والمواقف الخطرة والانفجارات والرعب، مع تغليف كل هذا بعبارات مهينة للضيف والسخرية منه لاستدرار ضحك المشاهد، وحتى يجيد الضيف دوره يبالغ في السب والشتائم لنجد أنفسنا محاصرين طوال الشهر بحلقات حافلة بالتلوث السمعي والبصري، ومهزلة أخلاقية من سوء الأدب والضرب والإهانة والعنف في برامج من نوعية "الشلال والألغام".

لا أدري ما التسلية والترفيه والكوميديا في تشويه صورة المجتمع المصري ونقل سلوكيات خاطئة لأجيال واعدة تتابع هكذا برامج... المقالب وآخرها "الشلال والألغام" فقدت أسباب وجودها وباتت مثالا لانهيار القيم ووسيلة نشر العنف والعدوان على الآخر وتقديم نموذج سيئ عن فنوننا، ويجب عدم عرضها بعد ذلك، والبحث عن وسيلة إضحاك بريئة ومحترمة.

في مقابل استخفاف وتدني برامج المقالب المصرية، يتميز برنامج سعودي مفيد للمتلقي ويحقق كثيرا من رؤية المجتمع ويسهم في مواجهة الفكر الإرهابي المتطرف بلقاء رموزه.

نجح الإعلامي "عبدالله المديفر" عبر برنامج "الليوان" في استضافة شخصيات مثيرة للجدل، وبعد أن اعتذر في برنامجه الشيخ عائض القرني عن أخطاء تيار "الصحوة" وتشدده وتطرفه خلال السنوات الماضية، تمكن "المديفر" من لقاء رئيس المجلس العسكري بتنظيم القاعدة السعودي "على الفقعسي"، المسجون لمدة 45 عامًا باعتباره "مهندس التفجيرات" في المملكة.

يقول "المديفر" أنه "ذهب إلى السجن وطلب مقابلة "الفقعسي" كحال أي شخص يزور السجن فنفذوا له ذلك، وعندما التقاه تمكن من إقناعه بالإطلالة معه في لقاء متلفز، ثم استأذن إدارة السجن فوافقت وتم التصوير هناك".

سرد "على الفقعسي"، تفاصيل اعتقاله وتصفية نشاط خليته، محملا أربع شخصيات مسئولية انحرافه عن الطريق الصحيح: "دخلت السجن وأنا قاعدي ولدي ملاحظات عليها لكن منتمي لها، ولم أكفر الدولة إلا قبل السجن، ثم أمضيت 5 سنوات بالسجن أتأمل وبقيت منفردًا 6 سنوات اعتبرها أفضل سنوات عمري، لأني تفرغت للدراسة"..

قبل كنا نختار آراءنا بالعاطفة لا بالعقل، فعرفت أني مخطئ لأننا عقدنا الدين ولدينا مشكلة في فكرة التدين وتقديس الشيخ العالم وتكثير المسائل، والحقيقة أننا ضحية خطاب الصحوة فهو من جعلنا عرضة للتجنيد في القاعدة، جميع المغرر بهم ضحية الخطاب الديني، لكن الأشرطة التي حرضتنا باتت ممنوعة اليوم، ومن حرضنا أمس ينتقدنا اليوم، ومن تأثرت بهم وانحرفت بسببهم هم "سفر الحوالي" و"سلمان العودة" و"عائض القرني" و"سعد البريك"، كان خطابهم يضخم السلبيات ضد الدولة ومذكرة النصيحة أثرت بي، لأنهم كانوا يمتدحون الدولة العثمانية مع أننا في الحقيقة أفضل منها.

عن الإخوان قال "الفقعسي": "الإخوان والقاعدة هدفهما إقامة دولة، هما متحالفين استراتيجيًا مختلفين تكتيكيًا.. وكل الجماعات المتطرفة خرجت من رحم الإخوان أو أن فكر هذه الجماعات تأثر بالإخوان واستفاد من تأصيلاتها، اعترفت بخطئي وحُكم على بالسجن ٤٥ عاما وسأخرج وعمري ٧٥ وندمت كثيرًا على أني لم أستخدم عقلي، وانسقت خلف خطاب الصحوة، وعندما استخدمت عقلي وجدت أن الدين أبسط كثيرا مما يقولون ولا يهمني حاليا غير ولدي".

خلال اللقاء كشف "الفقعسي" أنه أراد الجهاد في الشيشان، فذهب إلى تركيا ومنها تم ترتيب سفره للتدريب على السلاح والجهاد في أفغانستان، وعندما وصل أفغانستان وجد نفسه في تنظيم "القاعدة" والتقى "أسامة بن لادن" في "المعهد العلمي للقاعدة"، وبعد فترة بايعه وحضر معه اللقاء المتلفز مع "الجزيرة"، وفي ذلك أكد أن "القاعدة والجزيرة هدفهما واحد وهو زعزعة أمن الدول العربية كما أن قطر تُهرِّب السلاح للتنظيمات الإرهابية".

وأكمل: "أراد "بن دلان" إقامة دولة إسلامية تبدأ من اليمن وتمر ببلاد الحرمين، وتتوسع بلا حدود لكن واجهته 3 مشكلات مختلفة في إنشاء دولته، كما كان يسعى لاستقطاب الجماعات الجهادية تحت لوائه، ثم أنه استفاد من الثورات والقلاقل بشكل عام لخدمة مشروعه".

وكشف الفقعسي أنه كان على علم بعملية 11 سبتمبر وأن المنفذين من أصدقائه، لكنه عاد إلى السعودية لتنفيذ مهامه قبل تفجيرات سبتمبر، موضحا أن محاربة أمريكا لم تكن هدفا إستراتيجيا بل تكتيكي بالنسبة لأسامة بن لادن.

وعن الفرق بين القاعدة وداعش قال: "كل جماعة إرهابية لديها غلو وعنف، القاعدة مبتدعة لا تميل إلى التكفير بينما داعش يهمه التكفير وكلاهما عنده غلو تطرف وبدعة".
الجريدة الرسمية