دوام الحال!
جمع أحد الملوك كل حكماء مملكته، وطلب منهم طلبًا واحدًا محددًا: "أريد حكمة بليغة أضعها فوق عرشي، شريطة أنني كلما نظرت إليها، تعينني على إدارة أزماتي، وتلهمني الصواب وقت شدتي وعثراتي، وتكون في نفس الوقت خير موجه لي في حالات سعادتي وفرحي وسروري"..
فذهب الحكماء وقد احتاروا في أمرهم، فهل يمكن أن تصلح حكمة واحدة لجميع الأوقات والظروف والأحوال في آن واحد؟!.
عاد الحكماء بعد مدة وقد كتبوا مئات العبارات التي تحوي من الحكمة والعظة الشيء الكثير، لكنها كلها لم ترق للملك، وطلب منهم إعادة المحاولة وكتابة المزيد.. إلى أن جاءه أحد حكماء مملكته برقعة مكتوب عليها "كل هذا حتمًا سيمر"..
نظر الملك بإمعان في الرقعة، بينما أخذ الحكيم في الحديث: يا مولاي الدنيا لا تبقى على حال، ومن ظن أنه في مأمن من القدر فقد خاب وخسر، أيام السعادة آتية، لكنها حتمًا ستمر، وسترى من الضيق والحزن ما يؤلم قلبك، لكنه أيضًا سيمر، ستأتي أيام تتعدد فيها انتصاراتك ويهتف الجميع فيها باسمك، لكنها يا مولاي، أيام طالت أم قصرت ستمر، سترى بعينيك رفعة الشأن وعلو المكانة، لكن سنة الله في كونه أن هذا سينتهي ويمر..
البعض يا مولاي لا يفقه هذه الحكمة، فلا يشتد عوده حال العثرة، ويظن أن كبوته هي قاصمة الظهر ونهاية المطاف، فيخسر بذلك من عزيمته القدر الكثير، ويأبى أن يرى ما هو أبعد وأعمق من حدود رؤيته الضيقة، وهو يحتاج حينها لمن يثبت عزيمته، ويؤكد له أن هذا حتمًا سيمر، والبعض الآخر يا مولاي ينتشي سعيدًا ببطر ومغالاة حال الرخاء إلى حد أنه قد يظلم أو يطمع، ولا يضع في حسبانه أن الأيام دول، ظنًا منه أنه قد ملك كل حدود الدنيا وما فيها، وحكمة الله يا مولاي أن كل أحوالنا، حسنها وسيئها، حلوها ومرها، سرورها وحزنها، حتمًا سيمر.
حينها تبسم الملك راضيًا، وأمر بأن تنسخ هذه الحكمة البليغة، وتوضع (لا فوق عرشه فقط) وإنما في كل ميادين المملكة.. لكي يتذكر كل من يراها أن دوام الحال من المحال.