رئيس التحرير
عصام كامل

عاطف فاروق يكتب: ثغرات مشروع قانون "الأعلى للجهات والهيئات القضائية"


اتجهت إرادة المصريين في مطلع هذا العام إلى تدخل جراحي لإجراء تعديلات جزئية في دستور البلاد، لاسيما وأنه قد وُضع في ظروف أضحى من الطبيعي إعادة النظر فيه بعد انقضائها، فضلًا عما تواجهه البلاد من تحديات جِسام.


وكان للمادة ١٨٥ حظًا من تلك التعديلات، فجاء نصها متضمنًا إنشاء مجلسًا أعلى للجهات والهيئات القضائية في مصر، وهى خطوة لاقت استحسانًا بين الهيئات القضائية باعتبارها أول طريق المساواة فيما يمكن تعريفه بالقضاء الموحد.

كما نصت ذات المادة على تشكيل المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية مع تفصيل كيفية إصداره لقراراته، فضلًا عن طبيعة عمله واختصاصاته ومن بينها النظر في شئون تعيين أعضاء الهيئات والجهات القضائية وترقيتهم وتأديبهم.

وعلى إثر تلك التعديلات، صدر مشروع قانون إعمالًا لنص المادة ١٨٥ من الدستور متضمنًا بيان تشكيل المجلس المذكور وآليات عمله واختصاصاته، إلا أن هناك فجوة ملحوظة بين النص الدستوري ومشروع القانون، فمن ناحية نجد أن النص الدستوري أسند للمجلس اختصاص النظر في تأديب أعضاء الجهات والهيئات القضائية، ولم يتطرق مشروع القانون لذلك تلميحًا أو تصريحًا ولو بعبارة يمكن أن يندرج تحتها، ويترتب على ذلك بقاء نظام التأديب في كل جهة وهيئة قضائية كما هو رغم الاختلاف بينها في نظام التأديب بما في ذلك سلطات وزير العدل بشأن بعض إجراءات التأديب.

ومن ناحية أخرى فإن مشروع القانون قد تناول ندب أعضاء الجهات والهيئات القضائية ضمن اختصاص المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية رغم خلو نص المادة ١٨٥ من النص الدستوري على ذلك، ويضحى بذلك بمثابة إضفاء سلطات للمجلس على غير سند من الدستور، فضلا عما تضمنه الدستور منذ إقراره بإنهاء الندب بنوعيه الكلى والجزئى إعمالًا لنص المادة ٢٣٩ إلا لبعض الجهات المحددة على سبيل الحصر حيث كان يتعين أن يبادر مجلس النواب بإصدار القانون الذي قرر الدستور ضرورة إصداره خلال خمس سنوات من تاريخ إقرار الدستور، والتي انقضت دون أن يحرك ساكنًا ودون أسباب مقبولة، لا سيما وقد صدرت تشريعات دون ذلك في الأهمية ولم يُوجب الدستور إصدارها.

وقد تثور إشكالية في فهم نص المادة ١٨٥ من الدستور بعد تعديلها حول مدى كون ما ورد من اختصاصات للمجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية على سبيل الحصر، أم أنها على سبيل المثال، وأغلب الظن أنها على سبيل الحصر، ومن ثم فإن إحالة مشروع القانون للائحة ينشئها المجلس لن يكون من شأنه تدارك الفجوة بين النص الدستوري ومشروع القانون، ولعله كان من الأولى وضع إطار عام في النص الدستوري لاختصاص المجلس، مثل النص على اختصاصه بكافة شئون الجهات والهيئات ثم تفصيل الهام منها، ولكن سبق السيف العزل في هذا الشأن.

ونحن من جانبنا لا نلقي باللوم على مجلس النواب الحالي بقدر ما نتذكر الدكتور أحمد فتحى سرور ومجالسه المتعاقبة بالخير، والتي لم تكن فقط تُولى اهتمامها لإحكام النصوص، وإنما كانت تتميز بحسن الصياغة، فنجد في ديباجة مشروع القانون ذكر قوانين الجهات والهيئات القضائية دون أي ترتيب منطقي سواء من حيث التاريخ أو البدء بالمحكمة الدستورية إجلالًا لشأنها، ثم يختلف الترتيب عند بيان تشكيل المجلس، ثم يختلف الترتيب مرةً أخرى عند بيان من يحل محل أعضاء المجلس حال غياب أحدهم أو تفويضه، ورغم أن هذه الملاحظة شكلية إلا أنها ذات دلالات تشريعية.

ولعل ما ذكرناه من ملاحظات شكلية يمكن أن يضاف اليها أن كلمة "بالنسبة" التي وردت أكثر من مرة عند تحديد من ينوب عن أعضاء المجلس لا يتقبلها القارئ بقبول حسن في سياق نص تشريعى بهذه الأهمية، وكان الأولى استخدام الجملة الفعلية "يحل.... محل...."

ونخلص مما تقدم فضلًا عما يمكن لفقهاء القانون وخبراء التشريعات أن يوضحوه في هذا الشأن، إلى أن مشروع القانون والذي سيكون حتمًا محط أنظار دولًا عربية وأجنبية تسير في ركاب التشريع المصرى يتطلب إعادة النظر والتروي في إصداره ليليق بمقامه وأهدافه النبيلة.

والسؤال الآن: ما هو رأى الجهات والهيئات القضائية؟

وللحديث بقية...
الجريدة الرسمية