رئيس التحرير
عصام كامل

مقاومة الاحتلال بالبهجة.. قصة تصميم أطول فانوس في فلسطين


قبل ثلاث سنوات اجتمع شباب مقدسيون ليفكروا في سبيل آخر لمقاومة قوات الاحتلال بعيدا عن المواجهات الدامية بالتزامن مع قرب شهر رمضان؛ فوقع الاختيار على بناء أكبر فانوس رمضاني في فلسطين.




دروب المقاومة كثيرة ليست بالسلاح فقط.. الفن مقاومة والتمرد على قرارات القوات المحتلة مقاومة والرسم والغناء والحفاظ على التراث الفلسطيني مقاومة.. يتنفس الشعب الفلسطيني المقاومة مع كل صباح، يرفض أن يظل تحت رحمة المحتل مهما وهن جسده وطال البقاء، فالمقاومة حق إلى يوم الدين أو خروج المحتل من أراضيه.

يمثل بناء الفانوس الرمضاني أحد أشكال المقاومة الفلسطينية، خاصة أن قانون قوات الاحتلال ينص على ضرورة أن يتم الحصول على تصريح من بلدية الاحتلال للشروع في مثل هذا العمل إلا أن الشباب المقدسي وجد طريقة للالتفاف والتحايل باللجوء لاستخدام أرض "خاصة" تابعة لجمعية برج اللقلق المجتمعي التنموية غير الربحية التي لا تخضع لبلدية الاحتلال وهو ما أثار استياء قوات الاحتلال.



«كانت الأزمة في البدء هي كيفية إدخال القطع التي سيتم صنع الفانوس بها.. قوات الاحتلال تحاول بكل السبل أن تنغص الحياة على الشباب المقدسيين وتخضعهم لكثير من عمليات التفتيش إلا أننا نجحنا في نهاية الأمر في إدخال القطع المستخدمة بشكل منفرد، إذ استغرق الأمر قرابة عشر أيام في إدخال كافة المواد المطلوبة لبناء الفانوس».. يقول بشار المشني ناشط مقدسي وأحد أصحاب فكرة بناء الفانوس الرمضاني.

المقاومة حق لا يمكن إنكاره، لكن لسنوات طوال وجد الفلسطينيون سبلا ودروبا أخرى غير المقاومة بالسلاح لمواجهة قوات الاحتلال، فكان الفن والثقافة إحدى السبل للمقاومة.. يقول بشار: «كان الأمر أشبه بمجازفة بشكل.. البلدة القديمة ممنوع سير السيارات سواء الملاكي أو النقل داخلها.. لا يسمح سوى بدخول التوك توك فقط، فكان الأمر مرهقا بعض الشيء أن تدخل الفانوس قطعة قطعة وأن يتم العمل على تجميعه من جديد».

يبلغ طول الفانوس 11.85 متر وعرضه 3.65 متر، استغرق تجميعه وبناؤه نحو عشرة أيام، وتم استخدام رافعة لإعادة تموضعه داخل ساحة جمعية اللقلق، عمل على المشروع عدد من الجمعيات الخيرية والمجموعات الشبابية المقدسية، وشاركت جميعها بالدعم المالي ليتمكنوا من بناء أطول فانوس في فلسطين: «كان الجميع يدرك أن بناء الفانوس أحد أشكال المقاومة ضد قوات الاحتلال، كنا نريد جذب الانتباه والإبقاء على الأجواء الرمضانية داخل البلدة القديمة، واليوم وبعد ثلاث سنوات تحول الفانوس إلى أيقونة يلتف حولها المقدسيون في كل عام».



تسعى دائما قوات الاحتلال إلى تنغيص حياة الفلسطينيين، وأن تضع العراقيل أمامهم في كافة خطواتهم ولم يسلم بناء الفانوس من تلك المحاولات، يقول بشار: «كعادة قوات الاحتلال حاولت بكل السبل أن تمنع عرض الفانوس إلا أن وجود عدد من المحامين المتضامنين وقف حائلا أمام محاولات بلدية الاحتلال، إلا أننا فوجئنا بإزالة دعوات إنارة الفانوس من الطرقات ومحاولة غلق الطرق المؤدية إلى ساحة جمعية برج اللقلق وفي النهاية وجدنا طريقة للدخول والاحتفال».



يحاول بشار ومجموعات شبابية تعمل معه على مواجهة الاحتلال بتنشيط ذاكرة الشباب والأطفال بما حدث في حربي (48 و67)، وأن يتم زرع فكرة المقاومة بشكل دائم داخل عقولهم، إذ عمدوا إلى عمل حلقات لحكي ما حدث من قوات الاحتلال خلال السنوات الماضية على مسامع الأطفال، وتحفيزهم على ضرورة استمرار المقاومة بكافة أشكالها.

يمثل الفانوس أحد أشكال التحدي في وجه قوات الاحتلال، أن المقاومة باقية ومستمرة حاضرة في ذهن كل فلسطيني إلى أن تزول الغمة، يقول صاحب فكرة بناء أكبر فانوس في فلسطين: «هذه رسالة إلى العالم أجمع، نحن الفلسطينيين ما زلنا نفرح ونحتفل ونحيي طقوسنا الخاصة، نحن نحاول أن نجدد دائما من أشكال المقاومة أن نجد لنا متنفسا بعيدا عن السلاح، أن نفتح آمالا أمام الأطفال بأن المقاومة حق ودروبها مختلفة، وأن غدا لهم وفلسطين حرة أبية ترفض الخنوع لقوات الاحتلال مهما طال الزمان».

الجريدة الرسمية