الخير يأتى بالوصال
حريق كبير نشب في أحد منازل تلك القرية الهادئة، نتيجة انفجار موقد غاز، وكادت ألسنة النيران أن تنتشر وتطال باقى البيوت، لولا سرعة وهمة أبنائها رجالا ونساء، في تقديم الجهد والمعاونة في سبيل إنقاذ أهل البيت من لهيب النيران، فهناك من بادر بتقديم خراطيم الماء وتناقل عبواتها يدا تسلم يد، ومن بادر بتقديم مطفأة سيارته أو محله..
وآخر بادر بتقديم وسائل الإضاءة للمساعدة، وآخر اقتحم النيران مخاطرًا بحياته لإخراج أهل البيت، وفى لحظة واحدة تحول أفراد البيت المنكوب إلى مجموعات كبيرة من الناس، كل يشمر بلا خوف، كأنما هو بيته وماله وأهله، في لوحة إنسانية دلت على دوام وجود الخير بين الناس، لكن بريقه يلمع في الشدائد والأزمات.
(تعاونوا جميعكم.. فالخير يأتى بالوصال)، قالتها لى ابنتى وهى تسمع منى قصة الحريق وأهل القرية الطيبة الذين تلاحمت جهودهم كافة وأسفرت عن إطفاء النيران قبل وصول قوات الإطفاء، التي تأخرت عن الحضور لبعد المسافة بين وحدة الإطفاء العامة والقرية.
قالت لى ابنتى: إن هذه الجملة تعلمتها من خلال درس المدرسة عن أهمية التعاون والتكاتف يدا بيد، في سبيل بناء المجتمعات والأوطان.
(التعاون والتكاتف هو أساس نجاح أي عمل مشترك)، أكملت صغيرتى بها سرد فضائل التعاون طبقا للدرس الجديد والذي كان عنوانه «التعاون أساس النجاح»، والذي كانت سطوره تروى قصة نملة لم تقدر على حمل طعامها لتخزينه في مخبأها استعدادا لقدوم فصل الشتاء، فنادت على أخت لها أن تساعدها، فلم تقدرا بمفردهما، فنادتا على مجموعة أخرى من النمل واستطاع الجميع حمل الطعام وتخزينه في أماكنه.
حقا اليد فوق اليد تثمر وتنمى وتزيد، ويأتى الخير بالوصال والتكاتف لتحقيق أي هدف، خاصة إذا كان في سبيل الخير والبناء والإنماء والمصلحة والمنافع المشتركة.
يقولون في الأمثال الشعبية: (اإايد لوحدها ماتسقفش)، والجهد الفردى في سبيل الإنجاز والبناء قد لا يؤتى ثماره بالشكل المطلوب، عكس البناء والعمل الجماعى، ولذا فالتكاتف أساس العمران الدائم، كونه يُشعر الفرد بأنه يعيش وسط عائلة لها نفس الهموم والطموحات المشتركة.
حتما يؤدى التقاعس عن التعاون، والتحامل على شخص واحد، أنه سيقوم دائما بكل الأدوار، إلى التراخى وعدم الاهتمام بأمور التحسين، والمبادرة إلى حل كل أزمة، كما ينتهى إلى حلول مظاهر العفن والخراب في أي مكان.
يقولون أيضا في الأمثال: (بيت المهمل يخرب قبل بيت الكافر)، ولا يأتى الخراب إلا بتجاهل أداء الدور المنوط كل فيما يخصه، والارتكاز على كتف واحد بادر طواعية للعمل والإصلاح، فيؤدى هذا إلى فتور همته وإحباطه، ويدفع إلقاء المسئولية كل على الآخر إلى السلبية والتراخى، مع أن الجميع متساوون في المسئولية المشتركة.
إذا أردنا رؤية الجمال في كافة أمور حياتنا، فلنبدأ بالتعاون في التحسين والتجميل، بداية من الأسرة، والمسكن المشترك، وصولا إلى تحسين الشارع والحى والمدينة، وحتما سيثمر التعاون خيرا كثيرا يعم ويفيض.