"أفق آخر" الملف الملغوم
التفريق بين اليهودية كديانة والصهيونية كحركة سياسية استيطانية ليس وليد اليوم أو البارحة، والخلط بينهما لم يكن صناعة عربية أو إسلامية بقدر ما هو مخطط صهيونى يستهدف توريط اليهود جميعاً فى مشروع لا يخص سوى فئة واحدة منهم، لكن ما يستوقفنا الآن هو فتح ملف ملغوم حول اليهود الذين عاشوا عصوراً فى العالم العربى، وكانوا جزءاً عضوياً من النسيج الديمغرافي، خصوصاً فى مصر والعراق واليمن، وكان تهجيرهم إلى فلسطين ضمن استراتيجية الاستيطان وإجلاء الفلسطينيين عن أرضهم كى تبدو قابلة للاستيعاب، إضافة إلى تكريس أطروحة زائفة ومزورة للوقائع تم اختراعها هى أن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب.
والجزء الذى نسميه ملغوماً فى هذا الملف هو مزاعم الدولة العبرية حول حقوق هؤلاء الذين تم تهجيرهم فى الأقطار العربية التى غادروها، ومن ثم المطالبة بتعويضات قد تعادل أو تفوق التعويضات المطلوبة قانونياً وأخلاقياً ومادياً لملايين الفلسطينيين الذين خلعوا من ترابهم قبل أكثر من ستة عقود. والتزامن المثير هو بين فتح هذا الملف والحراك الدبلوماسى "الإسرائيلى" الذى بلغ ذروته قبل عام فى عواصم الغرب والعالم حول هذه المسألة.
وما يغيب عن دعاة عودة اليهود الذين هجروا أو هاجروا من العالم العربى أن الأكثرية الساحقة من هؤلاء لم تعد على قيد الحياة لأسباب متعلقة بالزمن.
أما أبناؤهم وأحفادهم فإن معظمهم قد استقروا فى عواصم أوروبية أو فى الولايات المتحدة، إضافة إلى من ذهبوا إلى فلسطين، وقد سبق لمؤرخين مصريين وعراقيين، منهم الرافعى والمستشار طارق البشرى وأحمد سوسة الذى ألف كتاباً ضخماً عن اليهود العراقيين، أن عالجوا هذه الظاهرة من مقتربات مختلفة، وعلى سبيل المثال، عندما صودرت أموال يهود مصريين فى خمسينات القرن الماضى وبعد حرب السويس وصدور قوانين التأميم لم تصادر أموالهم بصفتهم يهوداً "إسرائيليين"، فقد كانوا من حملة الجنسيات الفرنسية والإنجليزية على الأغلب، وتم تعويضهم عام 1957 بموجب اتفاقيات تمت فى مصر بعد انتهاء العدوان الثلاثى.
إن فتح هذا الملف مجدداً يجب أن يراعى عدداً من الاعتبارات كى لا تخلط الأوراق ويتحول الأمر إلى ذريعة "إسرائيلية" تخدم ما تدعيه من اضطهاد العرب لليهود.
فالتاريخ له منطق آخر غير هذا وشهد فى العديد من مراحله رعاية الدولة العربية الإسلامية لليهود كمواطنين إذا كانوا من سكان البلاد، وحمايتهم كوافدين عندما لاذوا بالمسلمين فراراً من الاضطهاد الأوروبى سواء على أسس دينية أم عرقية.
وما يجب الاحتراز منه هو الوقوع العربى فى فخ "هولوكوست" ليس له ما يؤكده فى النطاق العربى، فالهولوكوست أوروبى بامتياز.
والابتزاز الذى مارسته الصهيونية ضد الأوروبيين وخصوصاً الألمان حول "الهولوكوست" إلى نمط إنتاج اقتصادى، فثمة عزف لا ينقطع على وتر الذاكرة الآثمة إزاء اليهود رغم أن ما حدث تاريخياً بالنسبة للعرب هو العكس فى ما كتبه سملانسكى فى رواية "خربة خزعة" ومؤلفات إسرائيل شاحاك وتصريحات بورغ إلى آخر القائمة هى التعبير الدقيق عن ذاكرة يهودية آثمة إزاء العرب وبالتحديد إزاء الفلسطينيين.
نقلاً عن الخليج الإماراتية.