أصحاب الفخامة والجلالة والسمو
فخامة الرئيس "آلن غارسيان" رئيس بيرو الأسبق قرر التخلص من حياته، بينما كانت الشرطة تحاصر المستشفى المقيم به، للقبض عليه في قضايا فساد، ولم يعد لسيادته فخامة بعد قراره الموت انتحارا، خشية الذل الذي تحدث عنه في رسالة لأسرته، مات الرجل بعد أن أطلق على رأسه الرصاص، وترك لأهله عارا سيطاردهم إلى الأبد وسيطارد تاريخه، على الجانب الآخر وعلى حدودنا يقبع جناب الرئيس "عمر البشير" في سجن ابتناه نظامه للخصوم، ولم يعد لدى جنابه جناب، أصبح سجينا ينتظر المحاكمة.
وسائل إعلام غربية نشرت وقائع التفتيش المبدئى لمقر إقامة "البشير"، فوجدت لديه ستة ملايين يورو وعددا من المليارات بالعملة المحلية، ولاتزال الأيام القادمة حبلى بما كان يكتنزه جناب الرئيس، الشعب اليوم الذي يقرر، وهو الذي يحاكم، وهو الذي يضع نهاية لديكتاتور حكم بلاده بالنار، الشعب اليوم هو الذي يمارس حريته، وجناب الرئيس قعيد زنزانة، ينتظر أن يمن عليه حارسه بشربة ماء.
فخامة الرئيس "عبد العزيز بوتفليقة" رئيس الجزائر الطريد في بلاد الغربة لم يعد لدى سيادته فخامة ولا سيادة، أصبح مطاردا بسلسلة من الاتهامات التي تحاصر تاريخه وعصر ديكاتوريته، وربما ينتهى به المطاف لاجئا سياسيا محاصرا يمتثل لأوامر مانحيه حق اللجوء، وقد يتحول إلى لعبة بين الثوار ودول الملجأ، وربما ينتهى الأمر بفخامته إلى قبر غريب في بلاد غريبة، بينما تعانى أسرته آلام الاتهام ووجع العار، الذي سيطاردهم حتما، فيما تبقى لهم من أيام على ظهر سفينة الحياة.
الرئيس الجزائرى "الفخيم" لم يعد يحظى بكل تلك الجلبة التي كانت تصاحبه حتى وهو قعيد، لا يقوى على احتمال سماع ألفاظ السعادة والفخامة والسيادة، أصبح رجلا منبوذا من شعبه، ومن وطنه، ومن بلاده، وربما تصبح أقصى أمانيه الآن أن يعفو عنه الشعب، ويعتبره رجلا مسنا ويوافق على دفن رفاته تحت التراب الجزائرى، الذي أهانه وسرقه، ومارس فيه كل ألوان الديكتاتورية والصلف والجبروت.
سلطان سلاطين العالم، وملك ملوك أفريقيا "معمر القذافى"، رأينا بأم أعيينا كيف صار وهو يتمرمغ تحت أقدام القابضين عليه من الرعية، التي مات من مات منها بقرار منه، وعذب من عذب منها بفرمان من جلالته، وتشرد من تشرد منها بإيماءة من طرف عينه فلم تنفعه جلالة السلاطين، ولم تنقذه هيبة الملوك الذين كان هو ملكهم الكبير، أعاد بلاده إلى الوراء مئات السنين، فكان جزاؤه واحدة من أبشع الميتات في التاريخ، والدفن في قبر سرى لا يعلم أحد مكانه.
سقطت عنه الهيبة وأصبح أمام هيبة الشعب مجرد ديكتاتور مسكين، لا يقوى على حماية نفسه من الإهانة التي كانت هوايته مع شعبه..رحل القذافى ودفن بلا جلالة ولا فخامة.
أمير المؤمنين "محمد مرسي" تحدث باسم السماء، وحكم مع جماعته على إيمان الناس، ومنح أتباعه صكوك الغفران، وأصبح خلال شهور الحاكم بأمره، يعيث في الأرض فسادا، فأين ملامح إمارته الآن؟! وأين الملائكة الغلاظ الذين كان يحمون إمارته؟! وأين السماء من حماية خلافته؟.. أصبح رقما على زنزانة في قبو سحيق، واستعاد الشعب إمارته وخلافته في عام واحد ليس أكثر!!
بالأمس كانوا أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، واليوم لا فخامة إلا فخامة الشعب، ولا جلالة إلا جلالة الحرية، ولا سمو إلا سمو الناس.. قد يفقد الشعب فخامته تحت وطأة الظلم والجبروت، وقد يفقد جلالته تحت نير الاستغلال والقوة والجبروت والمدفع، وقد ينهار سمو الشعب تحت ضغط الحاجة والعوز والفقر، غير أن تلك الفخامة، وذاك الجلال، وهذا السمو أصل من أصول الشعوب، تمرض كلها ولا تموت، تختفى بفعل فاعل خارج عن إرادة الأمم، غير أن هذه الأمم قادرة على استعادتها، وفخامة الشعوب حرية، وجلالها ديمقراطية، وسموها الحق في حكم نفسه بنفسه، وسيادتها لا تسقط بالتقادم.
كل فصول التاريخ البشرى تحكى ذات القصة، وتعيد إلى الأذهان نفس التفاصيل، وتنسج الأيام سيناريوهات مكررة لعمليات كر وفر، تعود فيها الشعوب للإمساك بزمام الأمور، ويتحول أصحاب الفخامة إلى مطاردين بفخامة شعوبهم التي تصبر كثيرا، وتمنح الفرص مرات ومرات ثم تعود مرة أخرى للسيطرة، وتتباهى بأنها وحدها أصحاب الفخامة والسيادة والسمو!!