مجدي صبحي مستشار "مركز الأهرام للدراسات": مصر لا تزال تعيش عصر الثورة الصناعية الأولى
- مصر لديها فرصة للاستفادة من التطور التكنولوجي الكبير
- نحتاج لاختيار مشروعات تناسبنا.. وبعض الصناعات ستجد حلولا للطلب المتزايد على فرص العمل
لم يعد حلمًا، فقط الاستعداد والمصارحة والمكاشفة، هكذا يمكن التكيف مع محاولات القيادة السياسية، لاقتحام مصر عصر الثورة الصناعية الرابعة، لنكمل ما بدأه محمد علي، واستكمله طلعت حرب، وتوسع فيه عصر جمال عبد الناصر، مرورًا بالدكتور عزيز صدقي، نهاية بالرئيس السيسي، الذي يعطي أولويات كبيرة للمشروعات القومية، ويرغب في التعجيل بالتماهي مع الثورة الصناعية الرابعة منذ أواخر عام 2015، ويمكن رصد ذلك بوضوح من الاهتمام الكبير بإصدار التشريعات والقوانين، لتطوير مناخ الاستثمار في مصر، وتنفيذ العديد من المشاريع الصناعية والإنتاجية من مختلف المستويات والقطاعات المختلفة، ما يستلزم توضيحا، لذا كان حوار «فيتو» مع مجدي صبحي، الخبير الاقتصادي ومستشار مركز الأهرام للدراسات، إذ سألناه:
«الثورة الصناعية الرابعة» تسمية أطلقها المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس عام 2016 على الحلقة الأخيرة من سلسلة الثورات الصناعية وهي قيد الانطلاق حاليًا.. ما الذي يمكن أن نعرفه أكثر عن هذا المفهوم؟
مفهوم الثورات الصناعية، يعرّفه العالم على أربعة مراحل، الأولى، وهي التي أدخلت الماكينات، وحلت مكان العمالة اليدوية، بجانب ابتكار العدديد من الاختراعات الحديثة، التي كان لها أعظم الأثر على الحداثة الأوروبية، وانعكس على المستهلكين لها خارجها، ما ساهم في تحسن معيشة الأفراد، كما أحدثت تنمية اقتصادية في شتى مناحي الحياة، واعتمدت على تطوير صناعة المنسوجات، والصناعات البخارية.
أما الثورة الصناعية الثانية، فعرفها العالم منذ بداية القرن التاسع عشر، واستكملت ما بدأته الثورة الصناعية الأولى، ومعها ظهرت خطوط السكك الحديد وصناعات الحديد والصلب، وازدهرت في بريطانيا وألمانيا، وفرنسا والولايات المتحدة واليابان من آسيا، ثم سرعان ما انتشرت في روسيا والعديد من البلدان الأخرى.
الثورة الصناعية الثالثة، ظهر فيها صناعات الكهرباء والبترول، وتطوير عدد من آلات الطباعة، مرورًا بالحاسب الآلي، وكانت الثالثة هذه من أكبر الثورات التي عرفها العالم، إذ شهدت تطور العديد من الآلات والصناعات الحديثة على كافة الأصعدة، فيما توسعت الثورة الرابعة وبسرعة كبيرة وأحدثت تغييرات واسعة في تكنولوجيا المعلومات والروبوتات والحواسب الذكية، وأصبحت توفر خدماتها حول العالم في نفس اللحظة بالإضافة إلى الإمكانيات التي تميزها، والخطى المستمرة القائمة عليها.
هل يؤثر اقتحامنا مثل هذه التكنولوجيا في إزالة عقبات التحديات وتعقيداتها التي نعيشها في مصر؟
يمكن بالطبع، وخاصة إذا ما اتخذنا لأنفسنا مواقع جيدة في صناعات تناسبنا، حتى لو كانت من الثورة الصناعية الثانية والثالثة مثل الغزل والنسيج والأحذية.
إذا صنفنا مصر الآن، إلى أي ثورة من الثورات الأربع تنتمي بلادنا ؟
مصر حتى الآن، لم تدخل عصر الثورة الصناعية الثانية بطريقة مكتملة، وبشكل عام حتى، عصر الثورات الصناعية دخلناه متأخرين، بسبب القضاء على تجربة محمد علي، صحيح أننا نعرف منجزات الثورات الصناعية كاملة، ونستهلكها، ولكننا لم ندخلها إلى الآن، على سبيل المثال لدينا فهم بتعاملات الإنترنت، ونستخدمه، ولكنه ليس المسيطر على عملية الإنتاج في المجتمع.
إذن كيف ترى حديث الرئيس على ضرورة أن تلحق مصر بركب الثورة الصناعية الرابعة ؟
في هذه المفصلية هناك اتجاهان، الأول يقول: إن عليك تعميق ما وصلت إليه في الثورات القديمة، حتى يصبح لك ركائز أساسية فيهم، أما الاتجاه الثاني، فيعارض هذا، ويرى أن البحث عما فاتك في الثانية والثالثة، سيجعل المنافسين يوجهون لك ضربات قاضية، بما ينهي عليك، والأفضل من هذا التوجه أن تلحق بالرابعة، وليس ضروريا أن تلحق بكل الاتجاهات المتاحة، فهناك دول كبيرة على سبيل المثال دخلت عصر الثورة الصناعية الثانية، ولكن في جوانب محددة، نجحت فيها بقوة، وصنعت لها مكانة عالمية.
مثل من؟
مثل الهند، التي قررت بعد الاستقلال، عمل برنامج فضائي ونووي، وركزت على هذين المجالين، ولكن بالرغم من تميزها فيهما، ما زالت متأخرة في العديد من المجالات الأخرى، وهو ما يفسر سر فقر أغلبية الشعب الهندي حتى الآن، بسبب اعتمادها على الكثير من الأدوات البدائية والقديمة، وكوبا مثلا معروفة عالميًا بالتقدم التقني، نتيجة تركيزها على هذا المجالات، ولهذا لديها خطة للتميز ببعض المجالات، وفق خطتها لعام 2025، التي تحاول من خلالها أن تكون صاحبة سبق عالمي في مجال صناعة الروبرت.
معنى ذلك أننا ما زلنا نمتلك الفرصة للتميز في مجالات الثورة الصناعية الثانية والثالثة التي تأخرنا عنها؟
بالتأكيد لا يزال لدينا فرصة حقيقية، وتبصرها مصر من خلال تدشينها للعديد من المشروعات، منها على سبيل المثال، مشروع مدينة النسيج في مصر، بمدينة السادات برأس مال ملياري دولار على 7 سنوات، ،% ونسبة الاستثمار الأجنبي فيها نحو 87 وستوفر 160 ألف فرصة عمل مباشرة، وستصل قيمة الإنتاج السنوي للمدينة بعد تشغيلها نحو 9 مليارات دولار، بجانب إنشاء مدرسة تدريب بأحدث وسائل التكنولوجيا في صناعة الغزل والنسيج، وعلى نفس المقياس، يمكنك استقطاب بعض الصناعات، التي ستجد حلولا للطلب المتزايد على فرص العمل، بما يكفي ما يزيد على 3 ملايين ونصف المليون عاطل بالبلاد.
ماذا عن وضع مصر مقارنة بالدول العربية والأفريقية في هذا الصدد، ومن الأقرب برأيك في المنطقة للدخول بقوة في عصر الثورة الرابعة؟
بعض البلدان في المنطقة، وخاصة البلدان الخليجية، التي تملك أيدي عاملة منخفضة، في مقابل رؤوس أموال كثيفة، مؤهلة للدخول بقوة في صناعة الروبرت، كما يملكون التعليم المناسب، والصلات الوثيقة بالجامعات الغربية، أما نحن فالقصة مختلفة، وكما قلت فالدخول للثورة الصناعية الرابعة في مثل هذه المجالات، قد لا يكون مفيدًا.
هناك تباين ملحوظ بين مستوى التعليم المصري ومخرجاته، ومستوى تطلعات الدولة وشغفها بالتقدم.. برأيك إلى أي مدى يمكن أن تساهم الخبرات المتوافرة لدينا بالحاجات المطلوبة للدخول في هذا العصر بقوة وفاعلية؟
بشكل عام وبوضوح، نعيش في كارثة، ترصدها التقارير المصرية الداخلية، من مستوى تعليمي متدهور، ووضع تنافسي قاس ولكن من زاوية الاستعداد الكثيف لا، وكما قلنا من قبل، فالهنود عملوا على عدة زوايا، وتدربوا عليها، وجهزوا لها مجموعة جاهزة تماما، وفي مصر لدينا، من يطلق عليهم «الكريمة» في المهندسين على سبيل المثال، وبالتالي لدينا نحو 5% نستطيع القول أن لديهم التأهيل والمهارة للدخول في بعض المجالات التي نحتاجها.
بجانب التعليم، لأي مدى تستطيع المؤسسات المصرية المعنية التكيف مع متطلبات الثورة الرابعة، والسؤال هنا يعني الفكر والثقافة والخبرة والكوادر البشرية المؤهلة؟
كما قلت لدينا أزمة ترصدها تقارير الداخل والخارج، على جميع المستويات، ولكن بالرغم من ذلك، لدينا خبرة وإنجازات عظيمة في مجال «الشبكات» على سبيل المثال، ويوجد مصريون يعملون بأفضل المؤسسات في العالم، صحيح أنهم تلقوا فترة تعليمهم الأساسي هنا، وينطبق عليهم، ما على غيرهم، ولكنهم استكملوا تعليمهم بالخارج، وبطرق أخرى جعلوا أنفسهم مؤهلين تماما لهذه المسؤوليات.
مع كل حديث عن تطور تكنولوجي يزداد الخوف من أن يكون هناك ضحايا من الموظفين وأصحاب المصالح وخاصة من الطبقات الفقيرة والمتوسطة.. برأيك من هم أكثر الفئات تضررًا من اتجاه مصر للثورة التكنولوجية الرابعة ؟
الثورة الصناعية لها ضحايا بالطبع في كل دول العالم، وليس مصر فقط، فهناك تخوفات على المستوي العالمي، من تسببها في بطالة عالية، وإبعاد من نسميهم ذوي الياقات البيضاء، من المحامين والمحاسبين عن وظائفهم، وإعطائهم لروبوت وليس بشرا، كما أن هناك تخوفات من الاستغناء عن قطاع كبير من المهنيين.
إذن ما المنافع التي سنجنيها من اقتحامنا الثورة التكنولوجية الرابعة، إذا كانت هناك احتمالات خسارة كبيرة في مجالات عدة على هذا النحو؟
هناك نوعان من المنافع، أولا أننا سنستخدم منجزات هذه الثورة، وهذا مهم للغاية؛ فالثورات الماضية، لم تكن منتجة لمنجزاتها، وهو ما سيساهم في تسهيل الحياة علينا، باعتبارنا من ننتج، ولا نكتفي بالاستيراد، وإذا ما توسعنا في السنوات القادمة، بصناعات الغزل والنسيج والملابس، قد نجد فرص نجاح عالية، في ظل وجود القوى البشرية اللازمة.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"