المظهر الزائف يستبق جوهر رمضان
يبقى الآن سبعة عشر يومًا على حلول شهر رمضان الكريم، ولقد استبقت المظاهر كعادتها، جوهر الشهر الحقيقي؛ فانبرى العطارون وكبار التجار يعلنون عن بضائعهم ويرتبونها.
ويتبارى المشترون من أرباب الأسر من الآن، يضعون الميزانيات؛ لشراء مستلزمات الشهر من «الياميش والمكسرات، والبلح، ومتطلبات إعداد الحلوى..»، بينما تتصدر المواد الغذائية قائمة المشتريات بمضاعفة المشترين الكميات التي يشترونها في الأيام العادية، وكأن «صوما لن يكون».. ويبقى السؤال المحير للأطباء ومِنْ قَبْلِهم رجال الدين: «أي فائدة صحية وروحية ننتظرها من شهر فرضه الله للصيام بينما نخطط لتحويل بطوننا ليلًا إلى مخازن أطعمة وأشربة؟».
لست بصدد شرح فضائل الصيام وثماره الروحية؛ فللدين رجاله، لكنني أمام واقع اجتماعي فرضته ثقافة «التخزين»؛ لتسيطر انتشارًا على حكمة الدين ذاتها، والأغرب أيضًا هو السيطرة الغريبة للكسل على حياة الناس فمنهم: النائم حتى قبل ساعة أو ساعتين من أذان المغرب، ومنهم الغاضب بمجرد الكلام معهم ومبرره في ذلك أنه «صائم لا يحتمل أحدا ولا يتقبل كلاما».
أستذكر بمناسبة «اللهث» على شراء الغذاء «سعار الأسعار» المحتدم أمام التزايد اليومي لمعدل الطلب في الشهر الكريم، بينما يثبت معدل المعروض من السلع.. وأتذكر أيضا تلك الفتاوى التي تبحث عن إجابة تبيح «إفطار الطلاب الصائمين أثناء الامتحانات»، ولست أدري أي صوم نبغي وأي دين نظهره بحرارة، بينما الجوهر لدينا بدرجات أقل من الصفر؛ فيضيع الدين بين مسلم موغل في التشدد وآخر طائح بالاستهتار وثالث لا علم له بجوهر دينه.
ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء».
ألم يقل النبي الكريم أيضا «إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة.
ثم أين نحن من الآية الكريمة «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» [البقرة:183]..
إننا بحاجة إلى وقفة علمية أمام فكرة التدين ذاتها، خصوصا في الشهر الكريم، فلدين جوهر قبل أن يكون مظهرا، وفضيلة روحية وليس طقوسا نؤديها.. والله من وراء القصد.