المعطيات الجديدة لأمن مصر القومي
يواجه الأمن القومي المصري، مجددًا تحديات جديدة جراء الأحداث المفروضة على امتدادنا العربي، فالسودان اضطر إلى «جراحة عاجلة» في نظام الحكم، وحسنًا فعل جيشه ببيانه التاريخي.
ولقد صدر بيان الخارجية المصرية، كاشفًا لحقيقة موقف القاهرة الدائم تجاه الأشقاء و«لخيارات الشعب السوداني الشقيق وإرادته الحرة في صياغة مستقبل بلاده وما سيتوافق حوله في تلك المرحلة المهمة، استنادًا إلى موقف مصر الثابت بالاحترام الكامل لسيادة السودان وقراره الوطني».
وقبل السودان بأيام حسم الشعب الجزائري أيضا أمره حيال رئيسه السابق "عبد العزيز بوتفليقة"، وصدرت بيانات من الفريق "أحمد قايد صالح" نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش يستعرض فيها أوضاع البلاد، متعهدا برعاية المرحلة الانتقالية، ومتوعدا بمحاسبة «العصابة»، ثم أكدت الرئاسة الجزائرية، أن الانتخابات الرئاسية ستجرى في الرابع من يوليو المقبل، بعد استدعاء الرئيس المؤقت، "عبد القادر بن صالح"، للهيئة الناخبة كونها اللجنة المسئولة عن تنظيم الانتخابات الرئاسية الجزائرية.
ويأتي الوضع الليبي باعتباره الأكثر تعقيدًا بالنسبة لمصر خاصة، مع امتداد الحدود المصرية الليبية إلى نحو 1200 كيلومتر، بينما أعلن الجيش الليبي عملية «طوفان الكرامة»، لتحرير العاصمة طرابلس، وما زال تنظيم داعش الإرهابي، الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي برمته، ففي 23 مارس الماضي أعلنت ما تسمى «قوات سوريا الديمقراطية» القضاء التام على تنظيم داعش الإرهابى، بعد السيطرة على آخر جيوبه عند الضفاف الشرقية لنهر الفرات، وفيما أشادت فرنسا وبريطانيا بهذا الإنجاز، ظلت روسيا تشكك في تلك الرواية.
ومعروف أن للتنظيم طرقه وأتباعه وأساليبه في الهروب السري بين دولة وأخرى، فبينما أعلنت القوات المزعومة بـ «سوريا الديمقراطية» مجهولة النسب والهدف والمعالم، قضاءها على داعش، لم تعلن ما المقصود بـ «القضاء»، وما إذا كان تضمن فعلًا الإجهاز على مقاتليه أم أنهم وجدوا لأنفسهم وجهة أخرى لممارسة جرائمهم الدموية وتنفيذ مخططات مموليهم، وليس منطقيًا أن نظل في مصر على «حسن نية» في التعامل مع الوضع الليبي، فالعمليتان الإرهابيتان الأخيرتان تشهدان على خطورة الموقف بشأن الأمن القومي المصري؛ ولقد دعا وزير الشئون الخارجية الجزائري "صبرى بوقادوم" إلى عقد اجتماع ثلاثي، بأقرب وقت يضم وزراء خارجية كل من الجزائر وتونس ومصر، لبحث السبل الكفيلة لتجاوز الأزمة الحالية في ليبيا.
إن الأوضاع الراهنة في دول الجوار تتطلب إعادة صياغة لطرق التعامل مع معطيات الأمن القومي المصري بما يضمن دعم وتقوية الجبهة الداخلية بكل ما أوتي الشعب ودولته من قوة، بمزيد من المواجهة الفاعلة لقضايا الفقر والبطالة والتعليم، مع التوعية اللحظية بالمخاطر التي تهدد البلاد، وتكوين جبهة إعلامية تعتمد على الحقائق والمصارحة التي تعمل تحت سقف عال من الحرية الضامنة لرصد الصورة كاملة لصانع القرار... والله من وراء القصد.