البراعم العارية
دار موضوع خطبة الجمعة، والتي صادفت الاحتفال بيوم الطفل اليتيم، حول فضل الاعتناء به وإكرامه وعدم إيذائه، وفضل مراعاة ماله وتنميته حتى يكبر ويشتد عوده، إن ترك له أبواه مالا، والتشديد على عقوبة أكل ماله في الدنيا والآخرة، إضافة إلى دور الرفق به، والحنو عليه، في ترقيق القلوب وإزالة القسوة والغلظة منها.
تحدث خطيب الجمعة عن المرارة التي يتجرعها طفل صغير فقد أبيه، أو أبيه وأمه، كيف يواجه هذا العالم بمفرده دون سند أو حماية، كيف لمخلوق صغير أن يسير ويحيا في هذه الدنيا؟، إذا لم تتلقفه يد الرحمة لتعتنى وتهتم، وتدفع عنه السوء والشر.
لحظة، أنت أب لأطفال صغار، نعم، حسنا، هل فكرت حين تتركهم في هذه الدنيا بمفردهم، كيف يكون حالهم؟، خاصة إذا قدر الله عز وجل عدم وجود الأم أيضا، هل تخيلت من سيقوم على أمورهم، من يحل مشكلاتهم، من يعتنى بنظافتهم وطعامهم وتعليمهم، من يدفع عنهم آثام هذا العالم ومساوئه؟.
نعم سيكونون في معية الله وهو خير معين، ولكن إذا جال هذا الخاطر في بالك، وأحسست بالخوف، فهو مؤشر على ضرورة بداية طريق الاهتمام، بوضع حسابات يوم الترك منذ تلك اللحظة.
نبدأ تلك الحسابات بغرس بذور الاعتناء والمبادرة إلى فعله مع الآخرين، ولا أقول تبنى طفل، فهذا أمر قد يكون به صعوبة مجتمعية نوعا ما، ولكن بأن تضم طفلا يحتاجك إلى كنفك، أن ترفق وتتلمس أحوال كل صغير يتيم، في محيطك، جيرانك، أسرتك، في شارعك، تسأل عنه، هل يحتاج مالا، هل يحتاج تدخلا منك في أمر يخص دراسته أو حياته، هل تواجهه عقبة ما، هل يؤذيه أحد أو يضايقه؟، تشعره أنك صمام أمانه، وأنك حللت محل أبيه وأمه، تحبه ولا تقبل له إلا كل خير.
ربما تضع ظروف الحياة كل منا في بؤرة ودائرة اهتمامات أسرته فقط، ولكن لا يخلو الأمر من سويعات بسيطة تتلمس بمن فقد سنده، وأذكر بها نفسي، وقد أكون أكثر الخلائق حاجة للتذكرة، أن ما نزرعه من خير، حتما سيرده الله لنا طيبا في أولادنا من بعدنا، فيسخر لهم من يعتنى بهم ويحفظ حياتهم وشئونهم، وأن ما زرعناه يوما، بإهانة يتيم أو تركه يؤول إلى الضياع، وقد كنا نقدر على احتوائه، قد حان وقت الندم عليه وإصلاحه والعدول عنه، بلطف وحنو على رأس نبتة صغيرة تفتحت في وجه الدنيا، فوجدت نفسها فقدت حوضها الآمن، وتُركت في صحراء جرداء، تواجه وحشة العواصف، والرياح العاتية.
من أجل أولادك أنت، قبل أن يكون من أجل من فقد أهله، رقق قلبك بالعطف عليه، ودع الغلظة وأعط حبا، فما كان الله يقابل عطاءك أبدا بالضياع والخسارة، فهي سلسلة تتواصل بالخير والعطاء، وتنفرط بانتهائه.