ديوان الأهرام
أنا من عشاق متابعة إصدارات "ديوان الأهرام"، وما تقدمه من مفاجآت في كل عدد يصدر عنها، ويدهشني أن الغوص في الماضي لا يقدمه زملاؤنا باعتباره حالة إدمان لماضٍ سحيق، بل ترى من خلال سطوره دروسًا في التاريخ، ويكاد تكرار المشهد وتطابقه مع بعض مجريات اللحظة الآنية أن يأخذك إلى مساحات أبعد من فكرة الذوبان في الماضي في عمل صحفي يغرى على المتعة والمتابعة والغوص أكثر في أحداث يتم اختيارها بعناية فائقة.
العدد الأخير من "ديوان الأهرام" قدمت فيه الكاتبة الصحفية "زينب عبد الرزاق" رئيس التحرير، مع نخبة من زملاء يشهد لهم بالكفاءة صفحات من تاريخ الاستنزاف تحت عنوان "٥٠ عامًا على معارك البشارة"، قدموا خلالها قراءة متأنية للحظات تاريخية فارقة في عمر الأمة العربية كلها، وملفا آخر لا يقل أهمية وعمقا عن "العقاد" بمناسبة مرور مائة وثلاثين عاما على ميلاده، تستطيع من خلاله أن ترى "العقاد" منتصبًا في معارك أدبية وصحفية وسياسية تعيد إلى الأذهان كيف كانت مصر حية نابضة قوية.
على أن الملف الثالث الذي قدمه الأستاذ الدكتور "محمد رفعت الإمام" حول مذابح الأتراك ضد الأرمن، يعد واحدًا من أهم الملفات الوثائقية حول جريمة الأتراك ضد أول أمة مسيحية في التاريخ لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا الأمة الأكثر تحضرا وثراء؛ فجلب عليهم هذا التميز قوى الاستعمار والاحتلال، فكانت المذبحة التي أراد مرتكبوها محو آثار هذا الشعب العظيم، فارتكبوا فظائع يندى لها الجبين من قتل وتدمير وتهجير، وهنا يتجلى التاريخ الإنسانى لمصر العظيمة لتصبح بورسعيد أول من استقبل المهاجرين، وتعايشوا معهم مع هجرات أخرى استقبلتها دمشق التي تعانى الآن صلف الأتراك أيضا.
و"ديوان الأهرام" واحدة من المطبوعات التي يجب على وزارات التربية والتعليم والتعليم العالى والثقافة أن تتيح لرواد مكتباتها تلك الإصدارات؛ لأنها تقدم التاريخ الاجتماعي بصورة شيقة وتطرح وجبات وطنية حول أحداث وشخصيات ووقائع نتصور أنها واحدة من أهم ملامح الهوية الوطنية في فترات تاريخية مهمة كان النضال الشعبى وقدرات مصر أبعد من تصورات الأجيال الحالية.. تحية لفريق العمل ب"ديوان الأهرام" الذين يقدمون لنا المتعة ببساطة وروح حاضرة وقراءة متأنية.