«ثورة 19».. ثورة «شعب» وليست ثورة «سعد»!
ماذا نعرف عن "ثورة 19"؟.. للأسف لا نعرف عنها الكثير، ما يلقن الطلاب في المدارس كلمات لا تعبر عن واقع الثورة، أما على المستوى الأعلى فحدث ولا حرج، ولكن جاءت مناسبة مهمة لإعادة الاعتبار لتاريخنا الوطنى عامة وثورة 19 خاصة، كانت المناسبة هي مرور قرن على هذه الثورة، وكانت المناسبة كفيل للوقوف باهتمام واحترام أمام صفحة من صفحات الكفاح الشعبى ضد الاستعمار، وضد الكبت، وضد كل مظاهر الصلف التي تمارس على الشعوب المحتلة من قبل المحتل..
ولكن للأسف أضاع الجميع الاحتفاء بهذه المناسبة التي لن تتكرر، البعض يتصور أن عدة ندوات في المجلس الأعلى للثقافة -لم يقدم فيها شيئا مهما إلا ما ندر- كافى تماما للحديث عن ثورة شعبية غيرت وجه مصر، والخطأ الجسيم أن يبدأ الاحتفال بكلمة طويلة من رئيس سابق لحزب الوفد..
إنه خطأ جسيم أن يعتقد أو يتم الربط بين ثورة 19 وحزب الوفد، وكأن الثورة قام بها الحزب الذي نشأ أساسا بعد الثورة بفترة ليست قصيرة، فربط الثورة بالحزب يعني قصورا في الرؤية للذين أعدوا البرنامج الهزيل في المجلس الأعلى، والذي ربما لايعرفه هؤلاء أن أعضاء الوفد كانوا يرفضون المظاهرات في البداية مثلهم مثل الملك فؤاد والإنجليز..
وكما خط "سعد زغلول" في مذكراته أنه رأى أنها يمكن أن تؤثر بالسلب على المباحثات مع الإنجليز، حتى أن فريق الوفد اختلف وانفصل "على شعراوي" عن "سعد زغلول" بعدما لاحظ أن هناك إعلانات أكثر مما يجب في شوارع باريس فاعترض، فقال" سعد زغلول" له: أنت موجود بما تدفع!..
وانقلب على "شعراوى" ولهذا كون بعد ذلك حزبا في مواجهة حزب "سعد زغلول"، حتى اختيار أعضاء الوفد كانت بموافقة الإنجليز ولهذا استبعد "عبدالرحمن فهمى" أهم الشخصيات المؤثرة في ثورة 19، واعتراض الإنجليز عليه لأنه غير مرن معهم، ولكن الأهم من هذا فإن ثورة 19 كانت من أهم حلقات الكفاح الشعب المصرى ضد المحتل..
وبالعودة للخلف قليلا، فإن الفرنسيين لقوا مقاومة ليس في القاهرة فقط بل في كل مكان ذهبوا إليه، وهناك كتاب "حكاية ثورة الصعيد" للباحث الدكتور "نبيل الطوخى" يوضح دور الصعيد ودورهم البطولى في محاربة الفرنسيين، وثورات القاهرة، و"محمد كريم" في الإسكندرية، وثورة "أحمد عرابى" التاريخية، ودور الزعيم "مصطفى كامل" وتوائمه "محمد فريد"، كل هؤلاء كانت مقدمات لثورة الشعب في 1919 والتي غيرت وجه الحياة في مصر، وقلبت الكثير من الأفكار التي حاول الاستعمار ترسيخها في العقلية المصرية..
جاءت "ثورة "19 لتكسر الكثير من القيود في المجتمع، ويرى العالم وحدة الهلال مع الصليب لنؤكد للعالم فشل المستعمر للتفرقة بين أبناء الوطن الواحد، "ثورة 19" شارك فيها أبناء مرسي مطروح، وتصدت القبائل للإنجليز ويروي المؤرخ "عبدالله أبوزوير" قصة وملحمة وادى ماجد في مواجهة المستعمر، كما روى د.أحمد الحجاجى كفاح الصعيد أثناء الثورة وقبلها وبعدها في كتاب تم تقديمه للمشاهد في مسلسل "درب الطيب"..
كما هناك العديد من الوثائق التي سجلت مظاهرات في الإسكندرية وقنا ودمنهور، بل وصلت إلى مراكز قلب الوجه البحرى وقطعت المواصلات بمحطات قلين وطنطا ودسوق وزفتى وبورسعيد والبدرشين والزقازيق والشوبك، وفى كل هذه المواقع، وفى قلب القاهرة سقط شهداء من أبناء مصر الأبطال، بالإضافة إلى اعتقالات بالجملة وإصابات بالمئات، والاعتداء على النساء كان جزء من حرب أو محاولة الإنجليز من تحجيم والقضاء الثورة الشعبية والتي اشتعلت بدون قيادة أو توجيه..
بل إن جميع قيادات الوفد فيما بعد كانوا مع وقف المظاهرات ضد الإنجليز، إنها ثورة الشعب المصرى، ثورة بلا قيادة أو تخطيط من البكوات، ثورة حقيقية، وبالتالى كنت أتمنى أن يكون الاحتفال بهذه المناسبة في الألف موقع الذي يتبع وزارة الثقافة، في الثلاثة آلاف مركز شباب في أنحاء مصر، في جميع مدارس مصر وجامعاتها، كان يجب أن يعرف الشباب والأطفال تاريخ جدودهم والدماء التي سالت في كل بقاع مصر على يد الإنجليز والخونة أيضا..
كانت المئوية فرصة ذهبية للتعريف بتاريخ ونضال الشعب المصرى الذي يدفع بكل حب الدماء فداء للوطن وتجار الدم يستفيدون بالمناصب وغيرها، "ثورة 19" التي أثناؤها ولد معظم قادة ثورة 23 يوليو 52، بل أن الثورات حلقات متشابكة منذ الثورة على نابليون والحملة الفرنسية، وثورة عرابي، مرورا بالثورة الشعبية الأم ثورة 19 ومرورا بثورة 23 يوليو وصولا لثورة 30 يونيو، تحية لكل الشهداء على مدى تاريخ حلقات الكفاح من أجل الاستقلال والحرية والعدالة الاجتماعية.
وتحيا مصر.. وتحيا مصر في ذكرى ثورة الشعب المئوية.. تحيا مصر.