قطعة الصبار
تتكالب عليك الهموم، تظن أنك منغمس في براثنها لا محالة، وبلا فكاك أو بارقة أمل، فيأتيك الفرج من حيث لا تدرى، وتنقشع الغمة، وتهدأ النفس المضطربة، وتدرك أن ما أصابك ما كان ليخطئك، وأنك تعيش في هذه الدنيا بأقدار الله، وحده، الرحيم القادر على فك كربك، وإزالة همومك وأوجاعك.
كل ضيق سيزول حتما، والكرب سينفرج، والمحنة سيخرج من رحمها المنحة، والليل الطويل لن يستمر، فمن حزن يوما سيفرح، ومن أظلمت حياته سيبدلها الله نورا، فما كان يتركك فريسة لأحزانك، فيسلط عليك رحمته، تخرجك من تلك الصفحة السوداء إلى أخرى بيضاء عنوانها الأساسي «رحاب رحمته».
في إحدى سرادقات العزاء، وبينما كان الجميع غارقين في الصمت والأحزان، روى أحد علماء الدين الحاضرين حديثا قدسيا لست متاكدًا من مدى صحته، ولكن في معناه ومضمونه، يبث معانى طيبة وملخصا وافيا لمسيرة الحياة وسنة الله في كونه.
يقول نص الحديث حسب رواية الشيخ: «سلطت ثلاثا على ثلاث، ولولا ذلك ما انتظم ملكى، سلطت السوس على الحب، ولولا ذلك لاختزنه الأغنياء ومات الفقراء جوعا، وسلطت العفن على الميت ولولا ذلك ما دفن الحبيب حبيبه، وسلطت الصبر والنسيان على صاحب المصيبة ولولا ذلك لمات كمدا».
الثالثة والأخيرة هي المقصد، وباب القفز من الأحزان، تبدأ المصائب دائما كبيرة، ثم تهون وتصغر في الأعين، حتى ننسي ما كان وتدور عجلة الحياة مرة أخرى، فنعمل ونمرح ونتعايش، ونتذكر سويعات المرارة، بابتسامة ذكريات وشكر للنعمة، وتسير بنا القافلة.
قد تعثر طريقنا بعض الهموم، والمشكلات، والمنغصات والآلام، وبمزيد من اليقين، تُفتح أبواب الأمل على مصراعيها.
هناك حكمة صينية تقول: «إنك لا تستطيع أن تمنع طيور الهم من أن تحلق فوق رأسك، لكنك تستطيع أن تمنعها من أن تعشش فيه».
ويقول الإمام الشافعى: «سهرت أعين ونامت عيون، في أمور تكون ولا تكون، فادرأ الهم ما استطعت عن النفس، فحملانك الهموم جنون، إن ربًّا كفاك بالأمس ما كان، سيكفيك في غد ما يكون».
تظن أن هذا المر سيظل عالقا في فمك، تستشعره كقطعة صبار شائكة تلهب حلقك علقما وجروحا، وبقدرة الله وحده تتحول إلى مشتهى، فتطيب نفسك، وتسكن آلامك، وتزول أوجاعك، كل مر سيُمر مهما كان ظنك أنه لن يمر.