روايات المعركة الأخيرة لداعش في سوريا.. انتحاريون وأنفاق وكهوف
"كانت لديهم قوة لكن ليس قوة داعش القديمة، وباتوا في النهاية مثل فأر حُشر في زاوية الغرفة ولا يجد أمامه أي مهرب من القط المتربص به".. إنها جزء من شهادات مقاتلين من "قسد" على المعركة الأخيرة ضد "داعش" في الباغوز، قبل يومين أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من واشنطن "القضاء التام على خلافة داعش"، بعد السيطرة على بلدة الباغوز، آخر معقل للتنظيم في سوريا، وكشف سيهانوك ديبو، عضو المجلس الرئاسي في "مجلس سوريا الديمقراطية" لصحيفة "الحياة" اللندنية اليوم الإثنين، أن "أعداد أسرى داعش وعوائلهم تفوق 50 ألفًا من 48 جنسية عربية وأجنبية".
نهاية "أرض الخلافة" المزعومة
ويروي مقاتلون من قوات سوريا الديمقراطية، وهي تجمع لفصائل كردية وعربية، تمثل "وحدات حماية الشعب الكردية" عامودها الفقري كيف أن تنظيم "داعش" بذل كل ما بوسعه للحيلولة دون انهيار ما تبقى مما أسماه "أرض الخلافة" على ضفاف نهر الفرات، معتمدًا في معركته الأخيرة على انتحاريين وقناصة وقاذفات صواريخ، لكن ذلك لم يحل دون استسلام مقاتليه.
الباغوز بلدة صغيرة نائية بشرق سوريا لم يكن أحد قد سمع باسمها قبل أشهر عدة، لتشتهر الآن كآخر قطعة من أرض "الخلافة" المزعومة، التي أعلنها التنظيم في العام 2014، والتي امتدت على أراض شاسعة في سوريا والعراق المجاور تعادل مساحة بريطانيا، وضمت أكثر من سبعة ملايين شخص، بنى فيها التنظيم المتطرف مؤسساته وجبى الضرائب وأصدر عملته وفرض قوانينه المتشددة وطبّق عقوباته الوحشية.
ومُني تنظيم "داعش" خلال العامين الماضيين بخسائر متلاحقة على وقع هجمات شنتها أطراف عدة في سوريا والعراق بدعم رئيسي من التحالف الدولي بقيادة أمريكية، وتحصن التنظيم في الباغوز داخل أنفاق وخنادق حفرها تحت الأرض وفي كهوف صخرية، بحسب قوات سوريا الديموقراطية (قسد).
"توم وجيري".. تفاصيل آخر المعارك
يقول المقاتل حميد عبد العال، المنحدر من الحسكة ويقاتل في صفوف "قسد"، منذ 2016، لوكالة فرانس برس، إنه أثناء وجوده على سطح مبنى رفعت عليه راية قوات سوريا الديموقراطية الصفراء، بينما يشير بيده إلى ساتر ترابي قريب من النهر "دخلنا خلال الليل وكنا قرب هذا الساتر، حصل الهجوم علينا صباحًا وبدأ القناصة باستهدافنا".
وخاض الطرفان اشتباكات استمرت لنحو أربع ساعات وفق عبد العال، قبل أن "يقدم ثمانية انتحاريين على تفجير أنفسهم قرب النهر بينما استسلم المتبقون" من هذه المجموعة لقوات سوريا الديموقراطية.
ويقول عمر (31 عامًا)، الذي يقاتل التنظيم في ريف دير الزور منذ أكتوبر، أي بعد أسابيع من بدء الهجوم ضد الجيب الأخير لفرانس برس "يهاجم التنظيم بشكل متقطع، ويخرج الانتحاريون والانغماسيون من أنفاق"، ويوضح أن غالبية مقاتلي التنظيم، الذين قاتلوا حتى النهاية هم "من الأجانب، من كازاخستان وفرنسا والسعودية والعراق.
ويروي هشام هارون بينما يمسك بيده جهاز اتصال لاسلكي ويعلق مسدسًا على كتفه لفرانس برس "حتى اللحظات الأخيرة كانت لديهم صواريخ محمولة على الكتف، يطلقونها باتجاه سياراتنا من بعيد"، ويوضح "كانت لديهم قوة لكن ليس قوة داعش القديمة" مستعيدًا كيف أن التنظيم "حين بدأنا قتاله كانت لديه حنكة قتالية وتكتيكات عسكرية". لكنهم باتوا "في النهاية مثل توم وجيري كالفأر الذي يُحشر في زاوية الغرفة ولا يجد أمامه أي مهرب من القطة" المتربصة به.
يدرك هذا المقاتل أن عناصر التنظيم قاتلوا في أيامهم الأخيرة بعد استنزاف قدراتهم كافة. ويشرح "حين كانوا في أوجّ قوتهم، كانت المعارك أشرس. كانوا يستخدمون المفخخات والسلاح الثقيل والطائرات المسيّرة ويفخخون البيوت".
وشاهد فريق وكالة فرانس الأحد العشرات من الرجال يقفون في صف منتظم أمام جرف صخري في الباغوز، قبل صعودهم إلى شاحنات عدة توقفت في المكان. وقال جياكر أمد متحدث كردي لفرانس برس "إنهم مقاتلون دواعش خرجوا من الأنفاق وسلموا أنفسهم"، ولم يستبعد احتمال وجود المزيد "مختبئين داخل أنفاق"، ويشير عمر إلى أن مجموعات منهم "كانت تختبئ (في كهوف) تحت الجبال وفي الأنفاق".