تحذير واجب من الجناية التالية لحادث نيوزيلندا
حدثت فاجعة نيوزيلندا، وراح العشرات خلالها ضحية لأفكار عدوانية إرهابية متطرفة، اعتنقها جاهل كشف نوعا جديدا من الإرهاب القبيح.. إرهاب يريد داعموه ومروجوه أن يعودوا بالإنسانية إلى ما قبل الحضارات.. ولست جانيا إن قلت، «إن تجاهل الحادث أو التعاطي معه فقط على المستوى السياسي ببيانات الشجب والإدانة والاستنكار وسكب الدموع، إنما هي مشاركة في جريمة جديدة بحق صورة العرب والمسلمين في الإعلام الدولي».
إن الحادث الإرهابي في نيوزيلندا يتطلب، وقفات حازمة بشأن «الصورة»، وأقصد بها صورة العرب والمسلمين في الإعلام الأجنبي.. فلقد أثبتت الجريمة الإرهابية فشلا جديدًا بشأن ردود الأفعال حيالها.. فقلد سقط كثيرون في مستنقع الجهل، ولست أفهم تحليلات إعلامية ذهب منظروها إلى أن «مشكلة المسلمين في أوروبا أنهم حاولوا فرض ثقافتهم على تلك المجتمعات..»؛ لتذكرنا بالمعالجة الإعلامية والدرامية الفاشلة لما عانته بلادنا من إرهاب بغيض استحل الدماء والأعراض..
فعلى المستوى الدرامي طالما تطوع مخرجون لدينا بأعمال درامية غلب عليها منطق «تنفيذ الأوامر» أكثر من إعمال الإبداع والفكر في المعاجلة؛ أليست أعمالنا الدرامية هي التي ظلت فترة تنشر صورة الإرهابي القاتل على أنه «صاحب الجلباب الأبيض واللحية الذي يتحدث بلهجة متشددة ويبدو متخلفا رجعيا» دون أن يدرك مروجو هذه الصورة أبعاد الخطورة في ذلك.
ولست هنا بصدد التعرض لأحكام فقهية حسمها رجال الأزهر الشريف، لكنني أذكر تصريحا سابقا لوزير داخلية أسبق في برنامج عرضه التليفزيون المصري قال فيه ما مفاده، «إن ليس شرطا أن يكون الإرهابي صاحب لحية»، وأنه «لما كنا نشدد على ذلك كان منفذ العمليات الإرهابية –قاصدا بذلك فترة التسعينيات– يحلق لحيته ويفعل ما يريد».
لم يخرج من ذلك التصنيف في معالجة قضايا الإرهاب سوى استثناءات قليلة مثل مسلسل «كلبش» الذي ربما أظهر الإرهابي على حقيقته، بينما ظلت باقي المعالجات تظهر الإرهابيين بمظهر إسلامي، وكان هؤلاء الإرهابيين سذج أغبياء وحمقى في تنفيذ عملياتهم بطريقة يقولون خلالها بلسان الحال «إننا بصدد تنفيذ عملية إرهابية فاكتشفونا بسرعة لضبطنا وتنفيذ العقوبة بحقنا وحاولوا اكتشافنا بسرعة لإحباط عملياتنا».
أما عن الفخاخ التي نصبها الإعلام الأجنبي ضد العرب والمسلمين فعنها حدث ولا حرج، فلا عجب أن نجد في الصياغات الخبرية لدينا توصيف تنظيم داعش الإرهابي بعبارة «تنظيم الدولة الإسلامية»، والحديث عن العمليات الإرهابية أحيانا بعبارة «عملية جهادية»، فحدث لدى إعلام الخارج والداخل خلط واضح بين الإرهاب والدين والعروبة، كما هو ذات الخلط بين الإرهابي والمسلم والعربي.
إن قاتل الضحايا المسلمين يستوي في جريمته ووحشيته مع مجرمي عناصر داعش وقاتلي المصلين في الكنائس المصرية.. أنهم نفس القتلة الجناة الذي يستهدفون المصلين في بيوت الله دون تفرقة.. نأسف كثيرا على أرواح الضحايا التي فاضت إلى بارئها في بيته..
والمطلوب الآن أن تتوحد الدول العربية والإسلامية في مواجهة الإرهاب، ولدينا مؤسسة الأزهر الشريف ورجالها، ودار الإفتاء المصرية وعلمائها، وغيرها من المؤسسات المماثلة في العالم العربي والإسلامي التي عليها الآن أن توحد مجهودها في مواجهة الأفكار الضالة، ومواجهة من يشوهون صورة العرب والمسلمين، ولا غضاضة أن يشركوا كبار المسؤولين عن الإنتاج الدرامي وكبار الإعلاميين ورؤساء التحرير العرب، لبحث وضع معالجات إعلامية جديدة للإرهاب وبحث صورة العرب والمسلمين في الإعلام الدولي.