الجماعة على أشكالها تقع
قبل أن تفكر "المقطورة" فيمن يقودها إلى مكانتها الحالية، انتهت إلى حقيقة أن مصالحها مرتبطة ومرهونة بدعم وشروط أمريكا لبناء شرق أوسط جديد، تضمن فيه قوى الدين السياسي تصفية جيوشه وإعادة ترسيم حدود أقطاره لحساب قوة تل أبيب، وتلعب فيه النعرات المذهبية والعقائدية دورها فى إعادة صياغة العقل العربي دون حدود.
الحالة التى أنتجتها صناديق "أسرع الثورات" كما أرادتها واشنطن فى مصر، جعلت من أبنائها "إخوانا" ومن على شاكلتهم فى مواجهة "مصريين" ومن على هويتهم، هذا التقسيم "النظرى" جعل إشكالية الثورة الأقرب إلى التناول اليومي الشعبي والإعلامي، تدور حول تفسير رؤية أبنائها لطبيعة من يستحقون الانضمام إليها، وتقنين موقف أرباب نظام مبارك ومن يسمون بـ"الفلول".
ولأن البناء المصري الجديد مؤثر فى صياغة الواقع العربي المستجد، انغمس المصريون في معركة جوفاء ابتدعتها الجماعة بعقلها الأمريكي، لضمان خروج الشعب المصري من معركة المناصرة والدعم التاريخيين لثورات عربية شقيقة تصون بعدا قوميا لمستقبل المنطقة، لينقلب الحال إلى مخطط لإعادة إنتاج القمع ونقل تبعيته من "عائلات معسكرة" إلى "مشايخ المسخرة".
وبهدوء استطاعت الجماعة حسم المعركة مبكرا لصالحها فجمعت الرئاسة والبرلمان والحكومة وجزءا من القضاء بيدها، وعززت قدرات وحضور ميليشياتها باختطاف رأس الجهاز الأمنى، وأنجزت مصالحات لا حدود لها مع رموز مبارك دون عقاب له ولهم، بعد استحواذها على مؤيدين لحزبها من بقايا "الوطني المنحل" وأتباعه داخل الجهاز الإداري للدولة والذي يضم نحو 5.6 ملايين موظف يمتلك أغلبهم رؤية نمطية بيروقراطية لمستقبل الوطن عموما.
وخرج مهللون إلى بلاط الجماعة تحت دعاوى الرفض لثورة مخترقة من "فلول" مبارك، ليضمنوا مستقبلا تحت أقدام القوى الرجعية، فاحترفوا العمل السياسي بقوانين لعب الكرة، وأخضعوا نظرياته وتطبيقاتها لتقديرات السنوات العشر الأخيرة من أعمارهم الافتراضية قبل تقاعدهم.
ولأن تغييب المشروع الوطني ضمانة للمخطط الإخوانجي، كانت الاستدانة المفرطة لمعاقبة أجيال ثائرة، وحضرت حكومة الجماعة بتشكيلها الأكثر سخرية من حكومتي نظيف وإجراما من حكومة شفيق، لتدلل على انحدار وطن وانهيار مستقبل أبنائه، مندوب مبيعات وزيرا وصاحب "فيلم ثقافى" لكيان توعوي، وصار البرلمان أكثر إجراما فى تمرير تشريعات سالبة للحريات وقوانين مهددة لأمن الوطن والمواطن، رغم وعد كاذب بأن يكون الشورى مجلسا عابرا لا مشرعا مفرطا، وجرائم بحق السلطة القضائية تزايدت مع انتهاكات حقوق المواطنين بغطاء نظامي.
ولأن سيناء ظلت أرضا لاستدعاء المخاطر بطبيعتها وحدودها عهد مبارك، فقد استثمرت إخوانيا في استدعاء آخر مؤسسة مصرية تبدو خارج نطاق الأخونة، إلى منطقة الخطر والقتل، وهي الجيش، فتلاقت إرادة الجماعة ومن على شاكلتها لتبدأ مرحلة السعي لإهدار كرامة العسكرية المصرية، عقب انتصارها التكتيكي فى معركة كرامة المواطن، وكانت مشاهد إظهار جنودنا السبعة منكسي الرءوس معصوبي الأعين ترجمة للمقصد.
معركة المصريين مع الجماعة ومن والاها لن تحسمها تنظيرات اليسار أو تكتيكات الليبراليين والناصريين السياسية لضبط إيقاع متوازن لانتخابات بأدنى ضمانات، أو تشتت شباب الثورة في معركة لا وجود لها مع "فلول" لا وجود لهم إلا داخل الجماعة، بل تحسمها وقفة تقييم حسابات ومواقف ومكاسب وخسائر وطن، تبدو حدوده وأراضيه مخترقة ومختطفة بفعل فاعل، ربما حضر إلى مكانه عبر صناديق مارة بـ"أنفاق" غير شرعية.
"الحزب الوطني" وأمثاله فى البلدان العربية يا سادة، كائنات طفيلية تحللت بمجرد انهيار أنظمتها وأجهزتها الأمنية، ولم يستفد من مريديها ولم يسع إليهم سوى الكائنات الطفيلية الحاكمة الآن، فلا تجهدوا أنفسكم فيما ليست معضلة، وانتبهوا لمعركة حقيقية على وطن يضيع ولا يصفق لأعدائه سوى أصدقائهم..عندنا.