رئيس التحرير
عصام كامل

عاشق أخبار اليوم


قلما تصادف رجلا يعشق مكان عمله، حتى بعد أن تركه منذ سنوات عقب بلوغ السن القانونية، التي هي في الغالب لدى الكثيرين محطة نهاية للعلاقة بمقر العمل، إلا أن سن الستين كان لدى البعض إيذانا بفتح خزانة العمر، لينعشوها برحيق استرجاع الذكريات، ويفسحوا المجال أمام الأجيال القادمة، ليعرفوا المزيد من خبيئة الذكريات المدفونة في جدار ذاكرة هؤلاء.


عاصم حجاب، أو «عاشق أخبار اليوم»، عشق هذه المؤسسة الكبيرة مفنيا عمره فيها، فصارت روايات وحكايات أروقتها اليومية ـــ عبر صفحته على موقع التواصل «فيس بوك»، بمثابة دفتر يوثق حكاية عمال ومهندسين وفنيين، عشقوا هذا البيت الذي أسسه الأخوان مصطفى وعلى أمين، ومسلسل حلقات يومي مدعم بالصور النادرة، والمعلومات والشخصيات، والأحداث، أثرت وتركت علامات مضيئة في وجدان الصرح الأسطوانى الكبير.

قسّم «عم عاصم» دولاب الذكريات إلى حلقات مسلسلة، مشبها كل حلقة بأحد الأرفف المهمة، يسحب كل يوم ورقة، فهذه الورقة تتحدث عن المطبعة وأخرى عن التوضيب، والثالثة عن بداية إدخال ماكينات الطباعة الملونة، والرابعة عن الحفلات والمسابقات الرياضية التي كانت ترعاها الدار في الستينات من القرن الماضي،، وهكذا.

لم يكتف بهذا وحسب بل ومنذ خروجه على المعاش، لم تنقطع مطلقا علاقته بالدار، وأسس مجموعة عبر «فيس بوك» تضم كافة أبناء الدار ومحبيها، ممن في الخدمة وخارجها، ينشر بها ذكريات موثقة وقصصا تاريخية مصورة، كما يرعى اجتماعا شهريا مع زملائه ممن خرجوا على المعاش، في ذات المقهى العتيق الكائن أمامها، يلتقون فيه، فيطمئنون ويأنسون ويتذكرون أياما مضت، وذكرى أيام خلت، كان عنوانها العريض الحب والدفء والعطاء بلا حدود.

لماذا لا تستغل مؤسسة أخبار اليوم العريقة، ذاكرة «عاصم حجاب» وكافة أبناء الرعيل الأول للمؤسسة في توثيق كل ما مر بها من أحداث هامة ووطنية وقومية وشخصيات بارزة، وقامات وعلامات هامة، لتضمها في مجلد ضخم مدعم بالصورة والكلمة، تكون محفزا للأجيال الحالية والقادمة، التي ربما باتت تنسي قيمة الصحافة الأصيلة، كيف كانت قيمة لوح الزنكوغراف، وماكينة جمع وصف الحروف، ومتعة الصورة الأبيض والأسود، ومراحل الجمع والتوضيب والطباعة، رائحة الورق، أصوات ماكينات الطبع، وهى تدور معلنة أهم العناوين والمانشيتات في ذاكرة الأمة.

ربما كنا في حاجة ماسة في هذا الوقت، وخاصة مع العُرس الانتخابي الرائع والناجح لنقابة الصحفيين، إلى تدشين مشروع لتوثيق خطوات رعيل الصحافة والمؤسسات الصحفية الأول الذي ترك بصمة واضحة في مسيرة الصحافة العربية، بأن تبحث كافة المؤسسات الصحفية العريقة بين طيات دفاتر أبنائها عن (عم عاصم)، فيؤرشف تاريخ كل منها، لتكون منارة لأجيال قادمة، تستمد القدوة والمثل من عمالقة الكلمة، راهبو الورقة والقلم.

نداء إلى ضياء رشوان نقيب الصحفيين، وكرم جبر رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، وياسر رزق رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم، بضرورة تبنى مشروع توثيق تلك الأحداث المؤسسية المهمة، وطباعتها على أن توضع نسخ متعددة منها داخل الصروح المختلفة، وفى مقر نقابة الصحفيين، وتوزع بمقابل رمزى على كل مهتم بتاريخ مهنة من أعرق المهن، ومؤسسات لطالما ساهمت بكل محرريها وفنييها وعمالها وصحفييها، فكانت ضلعًا رئيسيًا وأساسيًا في رفعة هذا الوطن والإعلاء من شأنه.
الجريدة الرسمية