رئيس التحرير
عصام كامل

الرياح العاتية


«هلا استعذت بالله من الشيطان الرجيم، وألجمت هذا الإبليس، وخيبت آماله، وقضيت على شهوته ومكائده، أن يرى نار الخلافات تشتعل بينكما أكثر فأكثر، في طريق قد يؤدى إلى الانفصال وضياع الأسرة والأولاد».


قالها الرجل السبعينى بعدما قرأ في باب المشكلات الاجتماعية الشهير بصحيفته الأسبوعية، شكوى من أحد القراء، أن زوجته دائمة العصبية داخل المنزل على أسباب تافهة للغاية، وأن النقاش تطور بينهما، ما أدى إلى تركها المنزل فترة طويلة.

نصح السبعينى الجالسين من حوله على المقهى، بالهدوء والتروى قليلا عند معالجة المشكلات الأسرية اليومية التي تنشب بينهم وبين زوجاتهم، شارحا لهم رؤية رجل بلغ من الكبر عتيا، وسارت به مركب الحياة الزوجية ما يربو على الخمسين عاما، فعبر بها كافة أمواج الغضب بسلام، وتجسدت حياته بين دفتى قاموس عنوانه «التروى».

روى الرجل كيف كان يعالج أي خلاف ينشب بينه وبين زوجته ـــــ وقد تعاهدا من قبل على أن هذا البيت ملكها هي، وأنه مجرد ضيف عليهاــ، وأنه في حال وقوع أي خلاف ألا تترك منزلها مهما كانت الظروف كي لا تتفاقم المشكلة وتكبُر وتعظُم، بل يترك هو المنزل بضع ساعات، متجها إلى المقهى أو السير في الشارع، فتهدأ نفسه، وينصرف شيطانه، وتصغُر مشكلته في عينه، ثم يعود للمنزل هادئًا وكأن شيئا لم يكن.

تثور الزوجة لأمر بسيط قد تراه أنت تافهًا لا يستحق فورة غضب، وهى تحمل فوق كاهلها أعباء تفوق أضعاف ما يحمله زوجها، فيندفع الزوج للرد العارم، ويقف العناد عاملا محفزا على ازدياد وتيرة اشتعال اللهب، فيتوغل الغضب في الأنفس، وتزداد مساحات الأحقاد.

ليس عيبًا أن ترتشف قليلا من غضبها، أن تكون مثل الإسفنجة، وتمتص اندفاع وقتى لامرأة تحمل هم بيت وأطفال، هم إطعامك وإطعامهم، هم مذاكرة ومتابعة دروس، هم العناية بكل هذه القائمة الطويلة، في جهد جبار، قد لا يتحمله أحد من "بنى آدم" لمدة يوم واحد لا أكثر.

جرب أن تعيش رحلة معاناة يومية لربة منزل، تضع في ذاكرتها مشكلات أطفالها، وعلى رأسهم ذلك الطفل الكبير العنيد، (أنت)، الذي لا يعلم شيئا عن صراعتها ومعاركها الشرسة، إلا ذاك الوجه الملائكى الذي يظهره له أطفاله حال قدومه للمنزل، فيري به كل شيء على ما يرام ويستقر في وجدانه أن الأمر في أحسن أحواله.

لا أرمى إلى تحمل تطاول لفظى، أو الصمت على إساءة أدب، بل يجب التعامل معه، إن حدث، بالحكمة واللجوء إلى المعالجة، بلا أذي أو عنف وبمعاونة الأهل، ولكن المقصود هنا، تحمل انفعال امرأة تدون كل صباح في مفكرتها اليومية ما يقرب من ٢٥ بندًا واجب التنفيذ، وقد تضيق ذرعًا بكل هذا في لحظة اختناق ما، فتراها تحولت إلى بركان غضب يقذف حممه، وعين الحقيقة تقول إن تحمّل ثورتها المؤقتة فرض وواجب، بل ومعاونتها في كل هذا يدا بيد، وذراعا بذراع هو عين الواجب.

أقولها لنفسي أولا، لا تتسرع في الغضب والرد بالسوء، ادرس عيوبك، قبل سن ألسنة السباب والعنف، كن ميزان الحكمة في بيتك، ولا تنس أن هذا البيت عماده ودعامته الأساسية امرأة تقود دفة حياتك وحياة أولادك في مهارة شديدة، لو أمضيت عمرك كله في محاولة تقليدها، ما استطعت قيد أنملة، حتى ولو خلق الله لك كل أيادى العالمين، التمس لها ألف عذر وعذر، اهدأ واصبر وناقش بالعقل، وحتما ستمر سريعا تلك الرياح العاتية، وتنطفئ جذوة النار، ويفر الشيطان، وتستقر أركان البيت، بلا أي خسائر، فقط عليك احتراف «طول البال».
الجريدة الرسمية