رئيس التحرير
عصام كامل

رسالة الصحافة.. ومأثورة «كبلنج»!


الصحافة في أبسط تعريفاتها هي رسالة مهمتها التنوير والتنبيه لمواطن القصور والخلل، وعرض الرأي والرأي الآخر لبث الوعي في العقول، والحفاظ على مقومات الدولة ومصالحها العليا، وإذا كانت المدنية الحديثة لا تكتمل مكوناتها من دون وجود صحافة قوية وإعلام ناهض فما بالنا بما تمر به مصرنا من ظروف اقتصادية صعبة، وإرهاب جبان، وتآمر وتحالف شيطاني خارجي وداخلي يستهدف استقرارها ومصالحها بلا هوادة.


وفي المقابل يتضاءل أعداد الملتزمين بقضايا وطنهم من الصحفيين والإعلاميين، ويقل من يدركون الفارق بين أن تكون الصحافة أداة بناء ووسيلة إيقاظ وعي وبين أن تنحرف في سياق المصالح الخاصة والأجندات المعادية للوطن، والسبق الإعلامي البراجماتي، داهسة في طريقها قيمًا وتقاليد مهنية عريقة.

ما جدوى الصحافة ووسائل الإعلام إذا لم تتبن قضايا أمتها ووطنها، فإذا لم تكن لديك قضية تموت من أجلها- كما قال المفكر الإنجليزي روديارد كبلنغ- فلا تستحق حياة وهبها الله لك.

تاريخيًا ولدت الصحافة المصرية من رحم قضية كبرى هي المطالبة باستقلال الوطن وطرد المستعمر وتعافي البلاد من الجهل والمرض والفقر والتخلف، وهي قضية حملها أساطين الفكر والقلم على عاتقهم، أمثال أحمد لطفي السيد الذي كان شعاره الأثير
"مصر للمصريين"، وهو ما جاهدت صحيفته "الجريدة" لترفعه في وجه الاحتلال البريطاني والتركي.

كما رفعت "العروة الوثقى" التي أنشأها المفكران العظيمان جمال الدين الأفغاني وتلميذه الإمام محمد عبده ومن بعدها "لواء" مصطفى كامل شعارًا آخر هو "التنوير"، لإيقاظ الشعوب العربية والإسلامية ودفعها على طريق التحرر وتخليصها من الاستعمار.. وقد كانت أفكار هؤلاء الرواد ونضالهم نبراسًا أضاء طريق الحرية والنهضة والاستقلال.

ولم لا وقد قاتلوا في صفوف الجماهير وسقط من بينهم شهداء وهبوا أنفسهم طوعًا لقضايا بلادهم، دون انتظار لمكاسب زائلة ولا مجد شخصي زائف، مؤمنين بأن الكل إلى زوال ولا يبقى إلا ما ينفع الناس ويرفع من شأن الوطن.

عانى الأفغاني ومحمد عبده ويعقوب صنوع آلام النفي، وذاق العقاد والنديم مرارة السجن والاعتقال؛ دفاعًا عن الرأي وذودًا عن حرية الوطن.. كانت رسالة القلم هي محركهم.. كما كانت صحافة الزمن الجميل محرابًا للتنوير وحصنًا للوطنية.. خلافًا لزماننا الذي انفتحت آفاقه عن تقدم تقني مذهل صادفه تردٍ قيمي وتراجع مهني يحمل لواءه صحفيون وإعلاميون أكثر عددًا وأقل أثرًا ونفعًا.

غابت عن أغلبهم معاني الرسالة السامية والتوافق حول أولويات الوطن وشواغله، وتنازعتهم أجندات شتى وأغراض متقاطعة وحسابات متناقضة.. فجاء الاختلاف ليس على أرضية الوطن كما هو مبتغى، بل للأسف على الوطن ذاته إلا ما رحم ربي!

ولست مبالغًا إذا قلت إن طائفة كبيرة من صحفيي اليوم وإعلامييه لا يدركون كم عانت صحافة الماضي لتصنع مجدًا هم دونه علمًا وعملًا، وصورة ذهنية مهيبة في أعين الجماهير ووجدانها.. ولا يدرون كيف جاهدت الجماعة الصحفية الأولى لتنشئ هذا الكيان النقابي العريق الذي هم بصدد اختيار نقيبه وستة من مجلسه يوم 15 مارس هذا الشهر.. ليصبح صرحًا من صروح الرأي والفكر ومدافعًا عن الحريات بمعناها الأوسع.

حتى آل اليوم إلى أعداد غفيرة وكثرة كغثاء السيل، زادت على الاثني عشر ألف عضو، اكتسب كثير منهم عضويته في ظروف مريبة وبطرق ملتوية في غيبة الضوابط والمعايير المهنية.
الجريدة الرسمية