وما أدراك ما محطة مصر
حينما تتحول الكلمات إلى كتل حجارة يثقل حملها.. يتجمد المداد في القلم، ويتوه الباحث في أوصاف اللغة بحثا عن «الأنسب» تقييما لما حدث.. 25 روحا بريئة –وربما أكثر- فاضت إلى بارئها.. المشهد على محطة مصر فضح كل شيء.. انطفأ كل بريق سوى معدن الشعب المصري العصي على الصدأ؛ فهرع الرجال ينقذون الناس على رصيف المحطة دون أدنى خوف أو تردد..
إن حادث محطة مصر الذي وقع أمس الأول الأربعاء استدعى حوادث مماثلة لكن الكارثة هذه المرة كانت أفدح كونها في المحطة الرئيسة المعروفة بزيادة عدد الركاب والمنتظرين.
المشهد كان كارثيا على المستوى العام، انقسم الناس بشأنه أحزابا في تحليله، فمنهم غير المقتنع بالروايات الرسمية التي تناولت مسئولية السائق، ومنهم حامل الدف الذي ظل يشيد بـ«إنجازات وزير النقل المستقيل»، ومنهم «المحافظ على سمعة البلد».. فأخذ يردد ما يحفظه بمداحلاته الفضائية بقوله: «إن مثل تلك الكوارث تحدث في العالم كله»، وبدأت التصريحات الرسمية تتناول «الرد الاحترافي للحكومة الموقرة في سرعة الانتقال إلى مكان الحادث وتوجيهات وزيرة الصحة للمستشفيات القريبة منه برفع جاهزيتها استعدادا لاستقبال الضحايا».
أما قنوات الإرهاب ومشعلو النار فيها فقد اندلعوا بحقدهم الأعمى يشمتون ويهللون لإخوانهم في الغي من إرهابيي الإهمال في الداخل من أرباب التكفير والضلال؟
وبالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي فقد بدأ النشطاء أصحاب الصفحات يحللون ويشرحون وانقسموا بين «داعٍ بحفظ مصر» وآخر منتقد، وثالث يطالب بـ «محاكمة الشاب صاحب الصورة السيلفي أمام القطار المحترق». وبعد ذلك كله تبقى فيما يلي بعض النقاط الباحثة عن قارئ من صناع القرار لوجه الله والوطن:
ــ حينما يُرتكب نفس الخطأ بنفس الطريقة فهذا دليل قطعي أننا لم نستفد من تجاربنا ولا نهتم بدراسات قوية لتجاوز الكوارث مستقبلا خاصة وأنها طالت هذه المرة محطة القطار الرئيسة في مصر.
ــ يجب أيضا أن يخضع تعيين سائقي القطارات لمعايير دقيقة قبل تعيينهم مع استبعاد الوساطات والمحسوبيات واستيفاء التحريات عمن يتم تعيينهم كسائقي قطارات بحيث تكون وظيفتهم كادرا مرموقا مثلهم مثل قائدي الطائرات فضلا عن تخصيص كلية أو أكاديمية كبرى لقيادة الطائرات وإخضاع الدارسين فيها لدورات تدريبية بالداخل والخارج..
ــ التصدي للظواهر السلبية في القطارات والمحطات ومن بينها التسول والبلطجة وغياب التأمين، فضلا عن انعدام وجود فرق إسعاف على المحطات وداخل القطارات، مع إعادة النظر في طريقة اختيار وزراء النقل وعدم قصر تعيينهم على أساتذة جامعات فمع التقدير لهم إلا أنهم علماء أجلاء قد تُرجى مشورتهم لكن على المستوى المهني لا ترجى إدارتهم.
ــ مراجعة دخول هيئة السكك الحديد جيدا من الكافتيريات والاعلانات والخردة ومساحات الأراضي الممتدة التي تملكها، مع تفعيل مبادئ الإدارة في الهيئة على أساس روح الفريق دون فرض آراء من درجات إدارية قد تضر أكثر مما تنفع... والله من وراء القصد.