«الضفر طلع من اللحم».. فلاح يحبس شقيقه بحوش مواشي 10 سنوات مقيدا بالسلاسل لنهب ميراثه
غرفة باردة تشبه المقبرة تنبعث منها رائحة كريهة وتنتشر في جنباتها القاذورات والفضلات الآدمية، بل إنها تحولت إلى مأوى للثعابين والعقارب وملاذ للحشرات والفئران ومستنقع عفن تهاجمه الحيوانات الضالة، تلك الغرفة كانت جدرانها سجنا لعم محمد سعيد داخل قريته الصغيرة بأسيوط وحوله إلى هيكل عظمى مصابًا بإعياء شديد مدمر نفسيًا وجسديًا.
تلاشت الإنسانية في القلوب خلال السنوات الأخيرة وحل محلها الجحود وموت الضمير إلا أن جريمة حبس فلاح لشقيقه ما يقرب من 10 سنوات في حوش مواش مقيد الأيادي والأرجل بسلاسل بسبب الميراث جريمة تقشعر لها الأبدان وضربت معايير الإنسانية في مقتل بحجة أن الرجل غير سوي عقليًا، وكأننا في مشهد أشد قسوة من مأساة فيلم "التوربيني".
تعود أحداث الواقعة إلى تلقي محافظة أسيوط استغاثة عاجلة من شقيقة المواطن محمد على سعيد، المقيم بقرية بنى شقير التابعة لمركز منفلوط والذي ظل لمدة 10 سنوات مريضًا داخل منزله ولا يستطيع الذهاب إلى المستشفى لخلافات عائلية مع أشقائه على حد قولها بسبب الميراث وعدم تمكنها من إنقاذه بسبب بطش شقيقها الأكبر.
وبنبرة صوت يغمره الحزن تؤكد شقيقة المجني عليه أن حياته كانت مستقرة، وكان يعيش حياة طبيعية كمثل جميع الشباب، وبمجرد أن انتهت فترة تجنيده، منذ سنوات ثم توفى والده، بدأ شقيقي في تعذيب أخيه بسبب إرثه من والده.. فميراثه يقترب من 10 قراريط ومنزل وحصل على قرض من البنك قيمته 850 جنيها من عدة سنوات وتعثر في سداده فحكم عليه بالسجن عاما، ولكن بمجرد أن انتهى تم ترحيله لمستشفى الصحة النفسية ومنها لمستشفى الخانكة واستمر بها أكثر من 8 سنوات يعمل خادما هناك، وكان شقيقي ينفذ مخططه ويرسل أموالا لعدم إخراجه والاستيلاء على إرثه.
حبس وتقييد بالسلاسل
وقالت شقيقته إن الضحية عاد من مستشفى الخانكة وعلى الرغم أن حالته الصحية والعقلية كانت جيدة حتى إن الطبيب المعالج أكد أن نسبة العقل لديه طبيعية جدا وذكاؤه في المعدل الطبيعي، ضربه إخوته واحتجزوه منذ ذلك الوقت وحتى أمس تحت التعذيب فكانوا يقيدونه بالسلاسل من القدم والأيدي.
الأكل من خشاش الأرض
وكان إخوتي يقدمون له بواقى من الطعام أو العيش الجاف وحين يجوع كان يلجأ لأكل ما تبقى حوله ووصلت به الدرجة إلى أن يأكل من حشرات الغرفة وخشاش الأرض.
برشام منوم
وأضاف خليفة عبده، ابن عم المجنى عليه، أن محمد رأى كل مراحل التعذيب من الجوع والعطش والبرد في حوش المواشي الذي يحبس به فهو خاليًا من كل شيء فلا إضاءة أو غطاء أو مدورة مياه وإنما فقط حصيرة ملقاة، بالإضافة إلى أن إخوته أقدموا على وضع الحبوب والبرشام المنوم ليتمكنوا من كتم صوته وتحجيم حركته حتى يغط في النوم لعدة أيام ولا يزعجهم فهم يريدون له الموت البطيء عن طريق لدغة عقرب أو ثعبان وربما من الجوع والعطش أو من كمية الحبوب التي "تهد جبل على حد قوله".
معتوه
وأكد عبده، ابن عمه، أن المجنى عليه كان مقبلا على الزواج وبالفعل وافق أبناء أعمامه على زواجه من إحدى قريباته ولكن إخوته رفضوا بحجة أنه معتوه ومجنون، والحقيقة أنهم كانوا يريدون الاستيلاء على أمواله وافتعلوا المشكلات معهم قائلين: "أخونا واحنا حرين فيه".
أصوات وصراخ
كنا نسمع أصوات استغاثته من خلف المنزل ولكن إخوته كانوا يعنفون أي شخص يحاول الإفراج عنه أو إخراجه، وبمجرد أن يرتفع صوت صريخه يلجئون لإعطائه أي مهدئات أو ضربه حتى إن الرجل تحول لهيكل عظمي يخاف من كل شيء بسبب الرعب الذي عاش فيه طوال الـ10 سنوات.
الداخلية والنائب العام
وأكدت شقيقته أنها حاولت مع إخوتها أكثر من مرة، ولكنهم لم يستجيبوا لها بسبب بطشهم وخاصة شقيقها الأكبر "خ" ولجأت لإرسال عدة شكاوى فمنذ سنوات وهى ترسل للنائب العام ولقسم الشرطة ولكن شقيقها يستطيع أن يسيطر على جمع البلاغات إلى أن لجأت لإرسال استغاثة عاجلة لوزارة الداخلية وأخرى لمحافظ أسيوط بعدما استطاع ابنها أن يلتقط فيديو لشقيقها من محبسه واستجابت الجهات المسئولة أخيرا لجميع الشكاوى.
أوضح ابن عمه أن وزارة الداخلية استجابت، وحضرت لجنة من النيابة ومديرية التضامن وقسم الشرطة ورئاسة المدينة ووجدناه في حالة يرثى لها وفك مسئول النيابة السلاسل المقيد بها واكتشفوا تبوله على نفسه ولم يستطع الخروج لكونه يخاف من بطش إخوته.
ووصفت شقيقته حالته، قائلة: "بمجرد دخولنا للمكان المحتجز به وجدناه في حالة يرثى لها لدرجة أنه لم يستطع التحكم في قضاء حاجته فكان متبولا وملابسه متسخة للغاية وبها بعض الفضلات، وحممناه حتى إنه كان فرحا مثل الأطفال بالمياه وحلق شعره وتهذيبه وحملناه لغرفة أخرى في انتظار نقله، وبمجرد نقله لمستشفى الجامعة والكشف عليه اتضح عدم إصابته بأى مرض عقلي، وتم نقله لمستشفى الإيمان العام وأخشى أن يعود للمنزل مرة ثانية ويحتجزه شقيقي الأكبر مرة أخرى، ولا أستطيع إخراجه؛ لذلك أناشد الجهات المختصة البت في الأمر من خلال قرار رسمي حتى نضمن له حياة كريمة".
استجابة المحافظ
في سياق متص،ل استجاب اللواء جمال نور الدين محافظ أسيوط -في لفتة إنسانية- للمواطن وقال إنه فور تلقيه الاستغاثة أصدر تعليماته بتوجيه رئيس مركز منفلوط عبد الرؤوف النمر وفريق من مديرية الصحة لزيارة محمد على سعيد بمنزله للاطمئنان على حالته الصحية والتأكد من صحة الاستغاثة.
وعلى الفور، تم تشكيل لجنة وتم الانتقال إلى منزل المذكور وبالكشف الطبي عليه تبين إصابته بتجمع دموي في فروة الرأس وجرح بالجانب الأيمن وتيبس شديد في مفاصل والأطراف السفلية وتورم بالمفاصل والقدمين وقصور بشرايين الساقين والقدمين واشتباه غرغرينا بالقدمين وكسر ويحتاج إلى إجراء أشعة على شرايين القدمين والساقين والمفاصل وضعف عام بالجسد ونقص بالوزن.
وقررت اللجنة بعد توقيع الكشف الطبى على المذكور أنه يحتاج إلى نقله لمستشفى أسيوط الجامعى لاستكمال الفحوصات ولتلقى العلاج اللازم وتم رفع الأمر إلى الوزير المحافظ الذي قرر نقله إلى مستشفى أسيوط الجامعى وعلى الفور تم إرسال سيارة إسعاف مجهزة لنقل المذكور إلى المستشفى لاستكمال الفحوصات وتلقي العلاج اللازم، واتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية ومتابعة حالته الصحية حتى تعافيه وخروجه من المستشفى.