ثقافة تقبل النقد
يترك النقد لدى البعض أثرا سلبيا، على اعتبار أنه يمثل انتقاصا من القيمة المدركة، مع أننا يجب أن نتوجه بالشكر لكل من ينقدنا لأنه يخبرنا بالتعديلات الواجبة والمطلوبة سواء في تصرفاتنا أو شخصيتنا، فهو يريد أن يراها فينا ولا يريد أن نستمر دون حدوث تلك التعديلات، فمنها ما هو من أجل مصلحتنا الشخصية، ومنها ما يخضع لإجراءات وسياسات الأعمال والمسار المرسوم للوظائف التي نشغلها.
فمطلوب أن نسمع الرأي الآخر فينا، مطلوب أن نتطور بالمعرفة والخبرة، ونزداد احتكاكا بالواقع، مطلوب أيضا أن تتغير الظروف المحيطة بنا، لذا نريد أن نرى أنفسنا في أعين الآخرين.. نسعى بذلك إلى أن نرى الصورة الكاملة التي لولا وجود النقد لم نكن نراها أبدا.
للفرد بالتأكيد الحرية في أن يتقبل النقد، وله الحرية أيضا أن يرفضه، ولكن في الأولى فإنه قادر على أن ينصت وعلى أن يناقش مناقشات مثمرة لها نتائج تصل بالطرفين إلى أفضل الحالات، وفى الثانية فإن النتائج المترتبة على تجاهل الرسالة قد تصل إلى ترك الوظيفة أو إلى العزلة مع مرور الزمان.
النقد هو الإشارة الحمراء التي على جانب الطريق، تنذر بأن هناك خطرا لابد أن ننتبه إليه، وأن نعطى له الأهمية الواجبة للتوقف عند نقطة معينة، أو لتعديل الطريق، وبالمنطق فان الاستمرار في نفس المسار لا يترتب عليه إلا احتمال وقوع كارثة.
النقد ليس نموذجا سلبيا كما يتصوره البعض، إنما هو الإيجابية في حد ذاتها، مع مراعاة المعايير الخاصة بتوجيه النقد، مثل معايير توجيه النصيحة فمنها ما يتعلق بالخصوصية والسرية بين الطرفين، ومنها ما يتعلق بطريقة الوصول إلى التفاهم المشترك دون هجوم أو رفض، وهي الطريقة التي لا تولد عنادا وتترك أثرا إيجابيا متقبلا.
نحو تقبل النقد، ونخطو نحو نقاش مثمر نخرج منه بنتيجة ستكون إستراتيجيتنا في المستقبل، لنرى كيف يمكننا الوصول إلى أفضل الأعمال، وأفضل الطرق التي تصل بنا إلى الهدف الذي نرجوه، مع التوافق مع النظم والمعايير والقيم المتعارف عليها بين الناس، وهو "العرف" الذي لا يرتبط بقوانين يعاقب عليها، إنما هذا الذي تعارف عليه الناس ويعملون به، وأي مخالفة له يترتب عليها عقوبة جماعية ممن يعتنقون تلك القيم، ويلتزمون بها فيما بينهم. لذا سنتقبل النقد، لأننا نريد أن نكون غدا أفضل بإذن الله.