وسام الدويك
هل بتنا نخشي الموت ذاته أم نخشي عواقبه، بتنا نتجرع قسوة الدنيا مصحوبة بألم الفقد، والخوف من غد موحش، بعد أن تركونا، كى نشقى بذكرياتنا الحلوة معهم، وضحكاتنا المتفائلة في حضرتهم، من غادروا هذه الصاخبة الوجلة إلى رحاب السماء، حيث السكون دون ضيق أو أذي أو شقاء.
بالأمس ودعتنا بغتة، روحا باسمة، كانت عنوانا ومسارا دائما للأمل والفرح والجمال، فجأة وعلى حين غرةKوبين مصدق للنبأ ومكذب له، وبين مذهول لفاجعة الرحيل، ومتذكر لآخر لحظات الوداع، غادرنا «وسام الدويك».
لم يكن متوقعا أن نستيقظ ذات يوم على نبأ رحيل الأربعينى الشاب، متعدد المهارات، كاتب وشاعر وأديب وفنان من طراز خاص، وقبل كل ذلك إنسان لم يستسلم لهزائم الزمن، وأبي إلا الكمال في كل شيء حتى لو كان مجرد فاصلة صغيرة يحتاجها حرف ليكتمل به معنى.
غادرتنا معه البهجة، وأصبح لزاما إعادة النظر في كل الأمنيات والتطلعات والطموحات التي ننتظرها وتنتظرنا بعين التروى والحكمة والتمهل، بلا تنازع أو اقتتال أو تناحر، بقليل من الهدوء كما كنا ننظر سويا بعين أربعينية إلى تلك الحياة، بعدما مرت بنا تجارب قاسية، فنتريث في الحكم على الأمور وحتى في الخصومة والاختلاف.
لحظة ألم قلبية وفى غضون ساعة، انتهى كل شيء، طُويت أحلامه، أُغلق غطاء عدسته التي وثقت تاريخ البلاد شرقا وغربا، ويظل مُنتجها معانقا جدران أحبابه وتلاميذه، دٌفنت أحلامه وطموحاته جسديا، لكنها بقيت في عقول وقلوب من تعلموا على يديه، لم يكن يرتضي الإجادة في العمل وحسب، بل مقرونا بالسعى للإصلاح وعلاج الخطأ بالتصويب وتناقل الخبرات، فخلق نوعا فريدا من الأستاذية في قلوب محبيه وزملائه، يعز الزمان أن يجود بمثلها.
لو أردت الكلام عن مؤلفاته وتراثه الأدبي، وجولاته التعليمية في سبيل التعريف بالهوية المصرية التاريخية بلا أي مقابل، إلا عشقه هذا الوطن فقط، لما أوفيته حقه، لكن العزاء الوحيد أن «الدويك»، نال وسام الارتقاء الهادئ بلا ضجيج، وبلا شقاء، وما تركه في قلوب محبيه من كلمات رثوه بها، كانت خير شاهد على إرثه الإنسانى العامر الذي لم ولن ينقطع، فوداعا أحد الطيبين المتفردين في هذا العالم، وداعا للنبيل الذي غير محل إقامته، من دنيا الشقاء إلى رحاب الله ورحمته، إلى عالم بلا كراهية، إلى واحة فسيحة تليق بالأرواح الصافية.