رئيس التحرير
عصام كامل

بقايا الجدران وذكريات الماضي.. آخر ما تبقى من حي المدابغ (فيديو)

فيتو

رغم تلال الحطام، وبقايا الجدران، وأعمال الهدم المنتشرة هنا وهناك، فإن مظاهر الحياة والعمل ما زالت تدب في كافة أرجاء منطقة المدابغ بحي مصر القديمة، في مشهدين متناقضين، قد يثيران الحزن ويهيجان الذكريات داخل نفوس الأهالي، إلا أنهما أيضا يعدان بمستقبل أفضل للمنطقة عنوانه «الجمال والتحضر يقوم على أطلال العشوائية والقبح».


لأعوام طويلة ظل مشروع إعادة بناء منطقة المدابغ، حبيس الأدراج، ولم تصمد اللوادر أمام صلابة إرادة أهالي المنطقة، وتمسكهم بمنازلهم وورشهم، وآلاف الذكريات التي انطبعت بكل ركن بأزقتها الضيقة، التي تفوح منها روائح الجلود، والشقاء، والرضا أيضا.

لم يتغير موقف أهل منطقة المدابغ إلا بصفقة عادلة، لم يجدوا أمامها سبيلا سوى الإذعان وقبول المغادرة على مضض، حيث أكدت محافظة القاهرة تعويض أصحاب ورش المدابغ بأخرى في منطقة الروبيكي، وتوفير شقق سكنية لكل أسرة في منطقة بدر وغيرها من المدن الجديدة.

قد يبدو للعيان أن بذلك تنتهي الأزمة، وتخرج كافة الأطراف رابحة من تلك الصفقة، إلا أنه على أرض الواقع تظهر العديد من العقبات. عبد الرحمن، عامل بأحد المدابغ التي هدمت مؤخرا، قضى 40 عاما بها ولا يعرف له مهنة سوى دباغة الجلود، وأورثها لأبنائه كذلك، قال: "النقل للروبيكي تاعب ناس كتير، كنا هنا مرتاحين، بنشتغل جنب البيت، إنما دلوقتى بنروح الشغل كأنه سفر، واليومية مش مجازية".

فالعاملون القاطنون بالمناطق المحيطة بالمدابغ ليس لهم نصيب من المساكن البديلة التي وفرتها الدولة لأهل المدابغ، ويستكمل: "ابني كل يوم بيصحى الساعة 6 ونص وبيروح شغله في الروبيكي ويرجع آخر النهار".

تعهدت الدولة بتعويض أصحاب ورش المدابغ بأخرى في الروبيكي، إلا أن أصحاب المهن الأخرى من أبناء المنطقة لا يدرون ما مصير محلاتهم، واحد من هؤلاء، "محمد" يمتلك بيتا في منطقة المدابغ خصص جزءا من طابقه الأرضي كمحل لبيع كروت الشحن والهواتف المحمولة المستعملة، لا يمتلك مصدر رزق آخر ينفق به على أولاده الأربعة، أكد له أفراد لجنة الحصر على حصوله هو وأفراد عائلته الذين يسكنون معه بعقاره المتواضع على شقق سكنية بديلة، إلا أن ذلك سيكلفه محله الصغير، قال: "بيقولولي مافيش محال هناك، ولو ادونى تعويض أعمل بيه إيه؟ الفلوس اللى هايدوهالي مش هتكفي أفتح حتى محل إيجار جديد".

الحاجة والدة محمد قضت أكثر من نصف عمرها في هذا البيت منذ زواجها، أنجبت به 9 أبناء، رفضت بشدة كل مقترحات التسوية التي طرحتها لجان الحصر خلال السنوات الماضية، إلا أن الشروخ والتصدعات التي طالت بيتها الصغير جراء أعمال الهدم المحيطة به، أقنعتها بضرورة الرحيل، والتخلي عنه قبل تحوله إلى كومة تراب تسقط فوق رؤوس أبنائها وأحفادها، إلا أن الرحيل يعنى خسارة ولدها مصدر رزقهم الوحيد "الدكانة دي أكل عيشنا اللى بيصرف علينا بيها، مش عايزة حاجة غير الستر ورزق ابني عشان يعرف يأكل عياله".

"الحكومة بتقول هايخلصوا الهدد خلال شهر، ازاى واحنا لحد دلوقتى ما استلمناش لا الورش ولا أماكن السكن؟"، أكد عبد الرحمن صاحب ورشة دباغة بالمنطقة، أنه رغم هدم أجزاء كبيرة من منطقة المدابغ إلا أن مئات الورش لم تنقل بعد فضلا عن المنازل، وقال: "قدمنا ورقنا في المحافظة والغرفة التجارية، ولحد دلوقتى ما استلمناش، ومن 20 ألف ورشة، لحد دلوقتى مااتنقلش إلا عشرة تجار كبار فقط، واحنا الرد دايما على مطالبنا لسه بنبني لكم".

الحل الآخر المطروح على أصحاب الورش من قبل المسئولين هو استلام التعويض المادي والخروج من الورش، الأمر الذي ترفضه الغالبية العظمى من أصحاب الورش الصغيرة، مؤكدين على بقائهم لحين تسليمهم ورشا بديلة، ملوحين بالتظاهر إن لزم الأمر "هنجمع بعض ونروح للمحافظة ومجلس الوزراء".
الجريدة الرسمية