رئيس التحرير
عصام كامل

يوم الحساب


مصر ليست حكرا على فصيل بعينه وأبدا لن تكون فهى الأم الحاضنة للكثير من ألوان وأجناس البشر فعلى مدار تاريخها العريق الكل يأتى ويذهب وتبقى هى دائما بقاء الدهر، هى أرض الميعاد للكثير من الأجناس فقد امتصت من كل لون ومن كل دم وأفرزت الإنسان المصرى الفريد المنصهر فى أركان وجدانها الحضارى ونسيجها الاجتماعى.


وهذا ما سوف نجده بوضوح مع شريحة بسيطة جدا ممن أتوا إليها طامعين، كانوا أولا لاجئين فانصهروا فى داخلها وقدموا حسابا عن أنفسهم، فحكم عليهم وأخذوا مكانهم وسط فسيفساء أم الدنيا.

الهكسوس هذا الجنس الغريب الذى اجتاح مصر منذ أقدم العصور وحكمها بالقوة والجبروت والبطش فترة ثقيلة من الزمن حتى أتت عليهم الأقدار وتم طردهم منها بالقوة والحرب ولكنهم لم ينقرضوا نهائيا كما يعتقد البعض بل عاش المسالمون منهم فى أقصى شمال الدلتا وهم إلى يومنا هذا يعيشون على ضفاف بحيرة المنزلة والبرلس وهكذا أبقت عليهم مصر داخل نسيجها الاجتماعى الفريد.


وكذلك كان الحال مع المغاربة هؤلاء الذين أتوا إلى مصر فاتحين لها على يد القائد الخالد جوهر الصقلى وبالفعل خلصت مصر لهم وحكموها لأكثر من ٢٠٠ سنة وأطلق عليهم الخلفاء المصريين وبعد أن مال الزمان عنهم جاء دورهم ليقدموا حسابا عن أنفسهم أمام أم الدنيا فراقت مصر بحالهم وأبقتهم داخل نسيجها الفريد إلى يومنا هذا وخلدت أسماءهم بأثر لا يزول أبدا وهى القاهرة.

أما الأرمن هؤلاء المضطهدون والمشردون على مر العصور لم يتح لهم المجد والعظمة إلا فى مصر وذلك لما أبدوا لها من تضحية وحب كبيرين وساهموا فى تخليصها من يد الخراب والدمار بفضل قائدهم العظيم بدر الجمالى ورجاله البواسل، فانقرضت دولة الفاطميين تماما من مصر إلا أن الأرمن بقوا فيها مقدمين حسابا عن أنفسهم وأصبحوا جزءا من النسيج العام فى مصر حتى اليوم.

ويأتى الدور على المماليك هذا الجنس الشاذ غير المتجانس الذى أطاح به الزمان فوجد نفسه يحكم مصر فجأة ودون أى مقدمات فتحولوا إلى طغاة وجبابرة وأطاحوا بكل مقدرات الرحمة التى كان من الممكن أن تنقذهم يوم تقديم الحساب عن أنفسهم أمام عرش الباقية فحكم عليهم بالفناء ودارت عليهم المذابح وتم القضاء عليهم جميعا إلا أن قلب مصر الكبير يأبى دائما أن يأخذ الحابل بالنابل فبقى منهم القليل الذى ذهب وانصهر فى بوطقة النسيج المصرى العام وهم اليوم أحياء يرزقون ومن الصعوبة أن تميزهم عن باقى المصريين.

وأخيرا انتهى بكلمة عن قوم هم اليوم يحكمون مصر وغدا سوف يحاكمون من مصر هم مصريون ولكنهم أرادوا أن ينسلخوا من جلدتهم، يتمايزون بأنفسهم عن باقى النسيج بكونهم طويلى اللحية وغليظى الرقبة ولا يحبون غير أنفسهم ولا يطيعون غير مولاهم، وسيأتى عليهم الزمان قريبا ليقدموا عن أنفسهم حسابا، هم لم يعطوا لمصر شيئا يستحقون به الرحمة فى ذلك اليوم العصيب، ولذا قد لا يجيدون الرحمة التى تعودنا عليها من أم الدنيا، ومن له أذنان للسمع فليسمع ولعله يفهم.
الجريدة الرسمية