يا لغة القرآن عذرا
تتبارى دول العالم في الحفاظ على تراثها وصون مخزونها الحضاري والحفاظ على هويتها بكل ما أوتيت من قوة، بينما ما زلنا في محيطنا العربي، نتعامل مع لغتنا الأم بأساليب صعبة تتباين في دلالاتها بين الإهمال تارة والتجاهل تارة أخرى.
إنَّ إهمالَ لغة القرآن الكريم، يعدُ طعنًا صارخًا في هُويتنا العربية القائمة على ركائزٍ ثلاث هي: التاريخ واللغة والدين، وليس أدلَّ على ذلك من أوضاع خريجي الجامعات حاليًا، فقد يُطلب من أحدهم تحرير صفحة، فتصيب الأخطاء الواردةُ فيها، قارئها بمرض الضغط، بل وصل الأمرُ بغلتنا أن تجد سياسيًا أو ذا منصبٍ رفيعٍ يتلعثم في قراءة كلمة أو جمل بأكملها في خطاب، فلا يجيد القراءةَ الصحيحة، فضلًا عن طعنه الأعمى في قواعد اللغة، فينصب فاعلا ويرفع مفعولا، ويجر مبتدأ ويسكن خبرًا.
إنَّ الأخطاءَ اللغويةَ باتت جرائم تمرُ دونما عقاب، وكأن اللغة صارت يتيمًة بلا أب.. مولودًا بلا نسب.. فرعًا بلا أصل؛ بينما الجرح غائر والطعنة شديدة في هُويتنا العربية حيث يخرجُ أحدهم يتكلم الإنجليزية، كما لو كان مولودًا في بريطانيا أو تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، ويتكلم لغته الأم كما لو كان بالعًا لسانه، حينما يخطب خطابًا تم إعداده مسبقًا بلغته الأم، دون وازعٍ من حياء أو حرة خجل تجعله (على الأقل) يراجع ما يقرأ.
أما عن مجال الإعلام، وخاصة الفضائيات فلقد تحولت بألسنة الخطائين في اللغة العربية - ممن لا تُرجى توبتهم - إلى جرائم طالت الدولة ذاتها، فأصبح مشروع "المليون ونصف المليون فدان"، مختزلًا في "مليون فدان ونصف فدان فقط" (أو هكذا أكدت نشرات الأخبار وشريطها على شاشات كبريات الفضائيات)، وأصبح مجتمعنا (على لسان إعلامية شهيرة) محتاجًا والعياذ بالله، إلى "قوَّادين" وليس "قادة".
والأدهى من ذلك أن تستمع إلى خطبة من خطب الجمعة فتجد الخطيب لا يختلف كثيرًا في أخطائه عن كبار الإعلاميين، فربما ذهب بالمعنى المقصود بالخطبة إلى عكسه من دون أن يدري..، وهلم جرًا في كثير من المؤسسات الرسمية للدولة، لذلك لم أندهش كثيرا حينما طالعت تقريرا رسميا مكتوبا فيه "قدَّم الطاعنين" مع أنهما هنا في موقع الفاعل لكن كاتب التقرير قرر تحويلهما إلى مفعول.
وأمام الطعن المستمر في هُويتنا، باتت الشوارع بمحالها وواجهاتها، نموذجا للتلوث الثقافي – إن جاز التعبير- فصرت ترى أسماء أجنبية ربما غير مفهومة لكاتبها، فضلا عن مطاعم ووجبات تحمل أسماء تصيب بالغثيان، والأغرب منها أولئك الذين يرتادونها طلبا للأكل دون أن يفكروا أنهم يشجعون شذوذا، ليس فقط منافيا للغتنا بل لإنسانيتنا ذاتها.
إنني لست بصدد عملية جلد للذات، أو عرض كشف حساب أو لائحة اتهام، ولكنها صرخة بريئة علَّها تجد مسؤولًا لديه نية للتدخل أو مثقفا محافظا على هويته، أو عاقلا يتدارك الخطر قبل فوات الأوان.