رئيس التحرير
عصام كامل

فوق تل منعزل.. مغربية في إسبانيا تقاسي بحثا عن حياة كريمة

فيتو

يعاني الكثير من العاملين في حقول جنوب إسبانيا من ظروف صعبة، ليس بسبب العمل الشاق فقط، بل أيضًا لضعف الأجور، الأمر الذي يحتّم على بعضهم السكن في بيوت أشبه بالأكواخ. هذه حكاية "راضية".

عشرات العاملات والعمال في المجال الزراعي ينهون يومًا شاقًا من العمل في حقول مدينة ألميريا (أو العامرية)، ويتجهون إلى مساكنهم البسيطة لأجل الاستراحة، وإعداد أجسادهم لاستقبال يوم آخر من العمل.

التقينا بمجموعة منهم كانت تتحدث مع ممثل لنقابة SAT عن مشاكلها مع رب عمل لا يحترم قوانين العمل حسب قول المشتكين. بينهم كانت سيدة مغربية في عقدها الثالث كلّ ما تفعله هو الإصغاء باهتمام للمحادثة، دون أن يشفع لها ذلك في فهم كلّ ما يقال؛ بسبب معرفتها البسيطة جدًا باللغة الإسبانية.

هي واحدة من آلاف العاملات المغربيات اللواتي هاجرن سرًا إلى إسبانيا منذ سنوات قبل أن ينجحن في الحصول على بطاقة الإقامة، لكن خلافًا لأخريات، قرّرت تقريبًا الاستقرار في ألميريا، حيثُ تشهد الكثير من الحقول هنا على عملها في الجني. قبلت الحديث لـ"مهاجر نيوز" عن واقعٍ محزن جعلها تذرف الدمع، فالكثير من بنات جيلها في بلادها يعتقدن أنها تعيش النعيم في إسبانيا، لكن واقعها هنا يختلط بالمعاناة التي تجعلها تتمنى أن تعود يومًا ما إلى بلادها.

حكت لنا "راضية" (اسم مستعار) عن ما جرى لها قبل أيام قليلة، عندما كانت مضطرة للذهاب والعودة بسرعة البرق من المغرب حتى تشارك في دفن والدها. السبب في ذلك أنها رفعت دعوى ضد مشغلها الإسباني، وكانت تخاف أن يستغل فترة غيابها ليفصلها عن العمل بدعوى التغيّب. تتحدث بحرقة عن عدم تعزيته لها رغم علمه بمأساتها الشخصية، وتحكي كيف أنه كان يهينها على الدوام، لكنها لم تجد بدًا من الاستمرار في العمل بسبب غياب البديل.

هل هو بيت حقًا؟
دعتنا "راضية" إلى زيارة بيتها. سلكت السيارة منعرجات بين الحقول حتى وصلنا إلى أعلى تلٍ لا تصله العربات إلّا بصعوبة. كان الوقت مساءً، والشمس أوشكت على المغيب. اكتشفنا أن البيت لا يبعده عن الكوخ سوى الأسمنت، أما بقية التفاصيل فهي شبيهة بأكواخ حياة القرى النائية في المناطق الفقيرة، علمًا أن المنطقة تنتمي إلى بلدٍ عضو في الاتحاد الأوروبي!

في فصلي الخريف والشتاء لا تجتمع "راضية" مع ضوء النهار في بيتها، إذ تغادر في ظلام الصباح الباكر وتعود متأخرة مع بداية ظلام الليل. لكن حتى النور الكهربائي يغيب هنا، فالبيت لا يوجد فيه لا كهرباء ولا حتى الماء، وحدها المصابيح العاملة بالبطاريات وقنينات الماء هي ما تساعد "راضية" على الحياة هنا.

11 عاما وهي تقطن هنا، رفقة قريب لها يأتي من حين إلى آخر للعمل. رغم انعزال البيت عن العالم، إلّا أن "راضية" لم تتعرض يومًا لسرقة أو اعتداء، وهي تقضي ليلها في نوم هادئ لا يوقظه إلا صوت كلب حراسة عندما يلمح مرور أحدهم قرب المنطقة. تستيقظ يوميا في تمام الساعة السادسة حتى تبدأ عملها في الحقل في الثامنة، إذ تلزمها ساعة على الأقل للوصول، ولا تستعين في ذلك سوى بقدميها بسبب غلاء وصعوبة الحصول على نقل.

من يملك هذا البيت؟ ردت "راضية" أنها سكنته بمساعدة قريبها، وأن ابن مالك البيت أتى يومًا ليتفقد المكان، لكنه لم يعد بعد ذلك ولم يطلب منهما الرحيل. لا تؤدي هنا أيّ مبلغ لقاء الإيجار، ورغم الصعوبات التي تكتنف معيشها اليومي في هذا البيت، إلّا أنها ممتنة لوجود سكن مجاني يجعلها من جهة تجمع بعض المال الذي ترسله من حين لآخر إلى والدتها في المغرب، ومن جهة أخرى يمكنها من الوصول إلى عملها على الأقدام.

هل تستمر هنا؟
لا تعاني "راضية" من العيش في ظروف العمل القاسية فقط، بل كذلك من تواضع إلمامها باللغة الإسبانية، الأمر الذي يحرمها من دعم منظمات خيرية: "كثيرًا ما أتجه إليها بحثًا عن بعض المكاسب، لكنني أصطدم بضرورة تحضيري لمجموعة من الوثائق، الأمر الذي لا أتمكن منه بسبب عدم إتقان اللغة".

على المدى القريب، فـ"راضية" مقتنعة بضرورة البقاء هنا، خاصة لأنها ترى أن لا بديل لها في المغرب، لكنها تستبعد ذلك مستقبلا إن تمكنت من ادخار ما يتيح لها مباشرة مشروع ربحي في بلادها. تريد "راضية" أن تكون معاناتها هنا جسرًا لحياة أكثر راحة في المغرب يومًا ما، لذلك فهي ترفض فكرة أن تلتحق بها والدتها هنا: "لا أريدها أن تعيش معي في هذه الظروف، فحياتها في بلدي أفضل".

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية