ميادين المستقبل.. معماريون يفوزون بالجائزة التقديرية لتصميم ميادين العاصمة الإدارية.. يستدعون موروثات حضارة مصر القديمة.. ويوثقون ذاكرة الأمة ومسيرة أهلها في منشآت معمارية
صورة جديدة لميادين مصر، وشوارعها، عكف على صياغتها معماريون مصريون، مبدعون، ينتمون لجيل الشباب، ويحلمون بمصر أكثر تطورا في مجال عمارة وتخطيط مدن المستقبل، والبداية كما يحلم بها هؤلاء الشاب ستكون من العاصمة الإدارية الجديدة لمصر.
المعماريون الشباب وهم: المهندسة مي محمد حسين، والمهندس أحمد مجدي، والمهندس أحمد محمد عوض، والذين نالوا بمشروعهم الجائزة التقديرية في مسابقة تصميم الميادين الرئيسية بالعاصمة الإدارية الجديدة، يهدفون من خلال مشروعهم الجديد لميادين مصر، لتشييد صورة بصرية للميادين يمكن أن نقيم معها حوارا ثقافيا.
ويأتي ذلك في إطار رمزي يجمع بين العمارة والعمران والبشر، ليس فقط داخل النطاق العمراني للميادين، بل تتخطى تلك الصورة وذلك الحوار حدود ذلك للتواصل مع النطاق العمراني للعاصمة الإدارية الجديدة، وسائر المدن المصرية، على أن يتم من خلال ذلك الحوار التأكيد على الرؤية الجديدة للدولة المصرية، من تأصيل القيم البناءة للشعب المصري في مواجهة تحديات الحاضر والتطلع إلى آمال المستقبل، مع الحفاظ على الذاكرة الحضارية والتاريخية لمصر، وهو ما يهدف بدوره إلى إقرار قيم المواطنة والمشاركة الإيجابية في وجدان كافة أطياف الشعب المصري، وتأكيد مكانة العاصمة الإدارية الجديدة لمصر، كرمز للمستقبل.
مسيرة أهل مصر
ومنها سيتم وضع الرؤية التصميمية للميادين، ضمن سيناريو موحد يُجسد المسيرة الحضارية للشعب المصري، مواطنين وحكومةً، واستدعاء الجذور التاريخية للشعب المصرى، وربطها برؤيتهم للغد المبشر بالخير وتجسيد كل طموحانهم وآمالهم في غدٍ أفضل، وهو ما يرسخ معه قيم المواطنة داخل وجدان الشعب المصري ويرفع من وعيه الجمعي، ويحافظ على البُعد الثقافي للهوية المصرية، واستدعاء الموروثات الثقافية للحضارة المصرية القديمة خاصة اللغوية والفنية، ثم إعادة صياغتها في رؤية حداثية معاصرة ذات مدلولات رمزية تُجسد مسيرة الشعب المصري في كل ميادينه.
سيناريو موحد
وبناء على ذلك تم وضع سيناريو موحد يجمع تصميم الميادين الرئيسية بالعاصمة الإدارية الجديدة، بشكل متسلسل ومتتابع يُجسد معه المحطات الرئيسية للأحداث التي مرت بها مصر، حيث يُجسد هذا السيناريو مسيرة الشعب المصري من جذوره التاريخية وترحاله نحو تحقيق طموحاته وآماله، وعليها جاء تصميم وحدة تشكيلية مجردة تُمثل رمز الشعب المصري في الموروث المصري القديم وهو طائر "الرخيت"، ووضع مجموعات من تلك الوحدة التشكيلية في جميع الميادين بالإضافة إلى تشكيل كل ميدان على حدة، ليمثل إحدى المحطات الرئيسية في مسيرة الشعب المصري.
وتستهل تلك المسيرة بدايتها في الميادين النموذجية لقربها من المناطق السكنية التي تمثل بالفعل موطنا وسكن طوائف من شعب مصر، ولذلك فقد جاء تصميمهما بمرجعية الرمز المصري القديم الذي يعبر عن المدينة والمساكن في الكتابة الهيروغليفية.
وميدان آخر جاء تصميمه كباب مفتوح خلفه رمز قاعة احتفالات "حب سد" في الموروث المصري القديم، حيث يُعد احتفال "حب سد" هو أحد مراسم إقرار قيم (ماعت) معبودة العدالة والحق في المعتقدات المصرية القديمة، يلي ذلك ميادين تجسد مركبا يجمع بين رمز النيل ورمز "السرخ" في الكتابة الهيروغليفية الذي يُعبر عن بوابة القصر الملكي في مصر القديمة، وذلك للتعبير عن مداخل الأحياء الحكومية، وما يُحمل عليها من أهداف التنمية والخير في وادي النيل.
ويأتي بعد ذلك تصميم ميادين داخل الأحياء الحكومية بتجسيد رمز "السيماتاوي" في الكتابة الهيروغليفية لقدماء المصريين، والذي يُجسد وحدة الأراضي المصرية ضمن نظام إداري واحد يجمع بين مدن صعيد مصر والدلتا في المفاهيم المصرية القديمة، ثم يأتي في الختام تصميم ميدان آخر بتنصيب مسلة ذات ثلاثة أوجه، تمثل الأوجه الثلاثة للهوية المصرية وهى الفرعونية والقبطية والإسلامية، حيث تحمي أجناب تلك المسلة داخلها رمز "ماعت" في الكتابة الهيروغليفية التي تُمثل القانون وقيم العدالة والحق، وهنا يمثلون جميعًا، محور مسيرة الشعب المصري نحو تحقيق آماله وطموحاته للمستقبل.
المعماريون الشباب، وضعوا ضمن رؤيتهم لميادين مصر المستقبل، وميادين العاصمة الإدارية الجديدة لمصر كنموذج يمكن نقله والبناء وفق فلسفته المعمارية في مختلف مدن مصر، بتصميم الفراغات المفتوحة بالميادين، بتصميمات حداثية تُمثل خطوط الكتابة الهيروغليفية.
الكتابة الهيروغليفية
تم تصميم الميدان بتجسيده كموطن وسكن للشعب المصري بمرجعية رموز الكتابة الهيروغليفية، فجاءت المسقط الأفقي للميدان على شكل العلامة الهيروغليفية التي تجسد كلمة "المدينة"، وجاءت المساقط الأفقية للتشكيلات المعمارية داخل الميدان على شكل العلامة الهيروغليفية التي تجسد كلمة "المنزل".
وتم وضع أشجار النخيل داخل التشكيلات التي تمثل "منازل المصريين" لتأكيد ذلك المعنى، وقد تم وضع التشكيلات التي ترمز للشعب المصري داخل الميدان تجسيدًا لمكانته كأول محطة تنطلق منها مسيرة الشعب نحو تحقيق آماله، وقد جاء تصميم الميدان النموذجي التالي على نفس النسق ولكن بصياغة مختلفة.
ساحة الشعب
وتم تصميم التشكيل المعماري للميدان من خلال عمل بنائي يُجسد جناحي باب يتصدر ساحة مفتوحة تم تشكيل مسقطها الأفقي على هيئة رمز العلامة الهيروغليفية التي تمثل قاعة احتفالات "حب سد" في مصر القديمة، حيث تُعد تلك الاحتفالات أحد أوجه القيم ماعت معبودة العدالة والحق في مصر القديمة طبقًا للمعتقدات السائدة آنذاك.
وجاء الباب هنا وكأنه في لحظة فتحه وعبور مجموعة من تشكيلات المجردة للطير الذي يُمثل رمز الشعب المصري في الكتابة الهيروغليفية – وهو رمز طير "الرخيت" - وقد جاء تصميم الباب من خلال تكرار متماثل من وحدات تجريدية من الزجاج المعتم على هيئة زهرة "اللوتس"، كما أنها تماثل في الشكل نفس هيئة طيور "الرخيت" التي تُمثل الشعب المصري.
كما جاء تصميم الميدان على هذا النحو ليُؤكد أن الطريق مفتوح بين الشعب المصري والحي الحكومي في العاصمة الإدارية، وأن أبواب الحي الحكومي مفتوحة للشعب دون حواجز أو أسوار، ومن ثم يُعد ذلك الميدان هو المحطة الثانية من مسيرة الشعب المصري نحو تحقيق آماله وطموحاته، حيث إن ذلك لا يتم على أرض الواقع إلا بالتواصل البناء بين الشعب والحكومة.
جدير بالذكر أن تصميم الميدان نفسه يجسد رمز الحماية في الكتابة الهيروغليفية وهو رمز الشمس المجنحة، وهو ما يؤكد أن حماية الدولة المصرية يأتي من العمل الدؤوب للشعب ككل، وبالإضافة إلى ذلك أحاط بهما 42 شريحة زجاجية تُمثل قضاة الأقاليم في مصر القديمة، وهو ما يمثل بدوره إقرار دولة القانون.
كما استعانوا في تصميم ميادين المستقبل باستدعاء هيئة رمز بوابة القصر الملكي في الكتابة المصرية القديمة المعروف باسم "السرخ"، وهيئة رمز النيل في الكتابة الهيروغليفية، مما يجسد قيم التنمية، وتم وضع مجموعة من تشكيلات الطير التي تُمثل الشعب المصري للتأكيد على مكانة الشعب.
كما تم استدعاء رمز السلة ذات الثلاثة أوجه، واستدعاء رمز النجوم في الكتابة الهيروغليفية، لتجسيد ذاكرة الأمة بالميادين الجديدة، والحفر عليها باسم كل مصري نابغ أسهم في إثراء الحضارة المصرية في الماضي والحاضر.