رئيس التحرير
عصام كامل

ثقافة بلا هوية.. فماذا ننتظر؟!


يحلو لنا القول إن الثقافة هي القوة الناعمة التي يمكن استغلالها واستخدامها كأحد أهم مصادر قوة الدولة المصرية، وهذا القول من الناحية النظرية صحيح، وكانت مصر بثقافتها ومثقفيها وفنانيها نجوما في العالم العربى وأفريقيا، تعلم العالم العربى اللهجة المصرية من السينما وتعلقوا بنجومها..


الإذاعة المصرية منذ انطلقت كانت الأولى في عالمنا العربى، واعتبرها العرب هي المصدر الرئيسى للثقافة والعلوم منذ منتصف ثلاثينيات القرن الماضى، من أحمد شوقى أمير الشعراء مرورا بكثيرين حتى صلاح عبدالصبور وحجازى والأبنودى وحجاب وشوشة وغيرهم تعشقهم الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج..

وكل المطربين والمطربات في كفة وكوكب الشرق أم كلثوم في كفة أخرى، فهى كما كتب عنها وحدت العرب، بعيدا عن العرب الذين كانوا يأتون خصيصا لحضور حفلاتها إلا أن الملايين من المحيط إلى الخليج كانت تنتظر حفلاتها بجوار جهاز الراديو على أحر من الجمر، ناهيك عن دور صوت العرب الرائد والقائد في محاربة الاستعمار ومساندة كل الأحرار في كل عالمنا العربى الجزائر، عمان، اليمن..إلخ، وأذكر في عام 1984 كنت اعمل في سلطنة عمان، وفوجئت بسائق التاكسى يسألني: كييف خالد وسعيد!؟
قلت : مين خالد ومين سعيد!؟
قال مستنكرا سؤالى: خالد عبد الناصر والعظيم أحمد سعيد!!
قلت : مصر فيها مليون خالد ومليون سعيد.. عموما هما بخير!
لم يكتف بجوابى واراد أن يوضح لى سبب السؤال فقال: لقد جاء الإنجليز للسلطان سعيد – والد السلطان قابوس من عام 70 وحتى الآن – حتى يهاجم عبد الناصر ولكنه رفض وقال والله شرف لى أن تأتونى تطلبون منى اأاجمه وهذا يجعلنى أحبه وأقدره!.. ونحن لا ننسى مساندة ناصر لنا دائما، لهذا نحب خالد ونقدره.. أما أحمد سعيد فكنا ننتظر بين الجبال صوته لمدة دقائق وهو يقول صوت العرب من القاهرة، تعلقنا بمصر وأهلها من صوت أحمد سعيد ونحن بين الجبال ولا نعرف ولا نرى إلا ما نسمعه من الإذاعة المصرية!

قصة اختصرتها ولكن لا تغادر ذاكرتى مطلقا كلمات هذا الرجل العمانى الرائع الذي أعطانى أملا في أن كل عمل مخلص فهو باق مهما مر عليه الزمن!

السؤال: كيف تصبح الثقافة قوة ناعمة مؤثرة فعلا لصالح الدولة المصرية؟

هل يتذكر أحد ما أعلنه الرئيس السيسي في بداية الفترة الثانية لرئاسته؟ لقد أعلن الرئيس السيسي أن الفترة الثانية ترتكز على ثلاثة محاور التعليم، الصحة، الثقافة، فماذا حدث؟! تم ملف التعليم وهناك محاولة لتطويره بصرف النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا معه، تم فتح ملف الصحة وهناك محاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ملف الصحة المعقد، أما ملف الثقافة فقد سقط سهوا تماما!

والحقيقة أن ملف الثقافة سقط تماما من اهتمام الدولة المصرية منذ سنوات طويلة وكانت تعتبره مجرد وزارة للاحتفالات وإقامة الأفراح والليالى الملاح، وبالرغم من محاولات فاروق حسنى إعادة الاهتمام بالآثار ورد اعتباره وإقامة المتاحف واستنساخ مشروع الستينيات كتاب كل ساعة إلى مكتبة الأسرة والقراءة للجميع، إلا أن محاولاته افتقدت المشروع المتكامل كما كان في فترة الستينيات..

أما بعد 25 يناير 2011 فحدث ولا حرج، فلم تعد الثقافة في الاعتبار، هل يعقل أن يتولى وزارة الثقافة أكثر من عشرة أفراد في أقل من ثمان سنوات؟.. يجيئون ويذهبون بلا عمل أو هدف، وهم براءة من التقصير لأن الأغلبية منهم قدراتهم محدودة وهم ليسوا المسئولين عن فشلهم بل من اختارهم هو المسئول عنهم، الخميس كان هناك احتفال بافتتاح مهرجان المسرح العربى، أزعجنى بشدة ما شاهدته من أسلوب لا يليق بالاحتفال ببعض الرواد.

وقبلها بأيام شاهدت حفل تتويج ابن مصر العالمى محمد صلاح في السنغال.. أدهشتنى البساطة المعبرة عن الروح الأفريقية بشكل عام والسنغال بشكل خاص، أدهشتنى الملابس الوطنية التي يقدم بها الحفل من المقدم وزميلته، أدهشنى الكنج كما يطلقون عليه مطربهم الأول يرتدى ملابس السنغال الوطنية المبهرة بألوانها وتفاصيلها وخلفه الجميع يرتدى الزى الوطنى المعبر عن البلد وعراقته وأفريقيته!..

إذا كان البعض يرى أن تنظيم مصر للأمم الأفريقية 2019 عودة مصر للريادة فهو ساذج، فهى البطولة التي لم يسعى أحد لتنظيمها سوى مصر وجنوب أفريقيا واعتذرت المغرب عن التقدم لأنها ستنظم بطولة الأمم للاعبين المحليين ولست مستعدة لهذا العبء، في حين أن حكومة جنوب أفريقيا لم تدعم ملف بلدها بشكل كاف وطالبت الاتحاد الافريقى بطلبات محددة رفضها الاتحاد وكان الملف المصرى قويا بدعم الدولة المصرية فكان الاكتساح، مع العلم أن مصر ستنظم في نوفمبر القادم التصفيات الأفريقية لكرة القدم المؤهلة إلى الأولمبياد 2020..

وهذا عبء على الدولة خاصة أننا في هذه البطولات يرتفع عدد الدجالين والفاسدين، في عام 2006 كان أعضاء اتحاد كرة القدم يتاجرون في السوق السوداء في تذاكر المباريات، وفى الإقامات وغيرها ولم نحاسب أحدا، ونفس المتهمين السابقين قابعين في أمانهم أو بجوار أصدقاء لهم!

كلماتى لعلها تعيد للأذهان دور مصر الحقيقى، نحن فقدنا هويتنا، لو نظرنا إلى الخمسينيات والستينيات قدم لنا زكريا الحجاوى وفرقة رضا بعض تراثنا، وأصبحت الجلابية والملابس النوبية والسيناوية هي علامات تعبر عن مصر وهويتها وتراثها.

في مهرجان الشباب العالمى في سلطنة عمان 1985، كنا كمصريين نتقرب اشتراك مصر خاصة أن السلطنة كانت الدولة الوحيدة على علاقات مع مصر بسبب كامب ديفيد، أثناء عرض الافتتاح شاركت كل دولة بزى بلدها، وجاء الدور على مصر فكانت البدلة الأوروبية التي لا علاقة لنا من قريب أو بعيد!.. ولايزال الأمر كما هو.. ولاتعليق !

نحن أصبحنا بلا مشروع وطنى، بلا هوية، فلا ننتظر لنا دور على أي من الساحات العربية والأفريقية والعالمية.. وستحيا مصر بنقاء شعبها الطيب وفقرائها الذين يدفعون ثمن أخطاء لا ذنب لهم بها.. تحيا مصر!
الجريدة الرسمية