دولة محترمة!
سؤال يجب أن نسأله لأنفسنا بصدق ونسعى جميعًا للإجابة عليه بلا خجل أو حساسية، وهو كيف نكون دولة محترمة؟.. وأعنى هنا دولة يحترمها العالم أجمع، ولا يختلف عليها أحد كما الدول الإسكندنافية وسويسرا وسنغافورة. والاحترام بالطبع يؤدي إلى الاستقرار والتقدم والرفاهية الاقتصادية.
فما هو الخيط الواحد بين هذه الدول؟
أولًا جميع هذه الدول جعلت التعليم غايتها الأسمى ووسيلتها للنهوض، فبفضل التعليم الراقي أنشأت السويد أكثر من مائة شركة في خلال السنوات العشرة الماضية، كل شركة منها لا يقل رأس مالها عن ٢ مليار دولار. وجميع هذه الدول نزعت تمامًا الفرقة أو التمييز بين مواطنيها بسبب العرق أو الدين، فسنغافورة بدأت نهضتها في الستينيات بالمساواة التامة بين جميع الأعراق من الصينيين البوذيين والملاى المسلمين والهنود الهندوس، وجعلت الأطفال يزورون المعابد والكنائس والجوامع ليتعرفوا على هذه الأديان ويحترمونها.
وجميع هذه الدول وضعت دساتير محكمة كتبها مثقفوها، واحترمت هذه الدول الدساتير التي كتبتها، فساوت فعلًا وحقًا بين جميع مواطنيها وأصبحت دولًا تحترم القضاء وتحقق العدالة الاجتماعية، وتقلص الفوارق بين الطبقات رغم استمتاعها بالنظام الرأسمالي في التجارة والنظام الاشتراكي في الخدمات كالصحة والتعليم وفرص العمل.
وجميع هذه الدول انتخبت حكوماتها وبرلماناتها انتخابًا حرًا قاده متعلموها اعتمادًا على البرامج المحددة والمدروسة. وعرفت هذه الدول أن حكامها هم خدمة الشعب وليسوا أسياده، فليس غريبا أن ترى رئيس الحكومة يقف في الطابور مثله مثل المواطن العادي ويركب دراجته في شوارع المدينة بجانب رجل الشارع العادي.
حاربت جميع هذه الدول المحترمة الفساد، وقضت عليه تمامًا وامتازت تعاملاتها بالشفافية التامة واحترام القانون. احترمت هذه الدول حقوق الإنسان والحيوان وكل من يعيش على أرضها. لم تدخل هذه الدول في صراعات مع جيرانها، ولم تعتد على أحد، ولم تتدخل في الشئون الداخلية لأى دولة أخرى، وحافظت على السلام والود مع دول العالم أجمع، ولم تدور في فلك كتلة شرقية أو غربية، فكانت لها استقلالية القرار والسياسة الخارجية.
فصلت جميع هذه الدول بين الدين والسياسة، فالدين بين الإنسان وربه يمارسه في مسجده أو معبده أو كنيسته، والسياسة لها أروقتها وخبراؤها الذين يقومون بها ويفهمون فيها من نظفاء اليد حسني السيرة والسريرة.
أصبحت هذه الدول دولًا مدنية عصرية متقدمة ومستقرة. تهبط أرضها فتحس بالسعادة والبهجة وتحس برفاهية وسعادة مواطنيها وحبهم الشديد لبلدهم وتفانيهم في خدمتها. والآن سؤالي المُلِّح لماذا لا نكون مثلهم؟ وكيف نكون حقًا دولة محترمة؟