رئيس التحرير
عصام كامل

الرئيس والقناة الأمريكية


لا أعرف سببًا لهذا التعاطي الخجول من الإعلام المصري مع حوار الرئيس السيسي الذي بثته منذ ساعات شبكة cbs الأمريكية؟! ولماذا نتراجع إلى الخلف كلما كشر الإعلام الغربي عن أنيابه أو حاولت قناة الجزيرة الصيد في الماء العكر؟! وماذا قال الرئيس حتى نترك المشاهد المصري والعربي فريسة للمتربصين ينهشون عقله ويتلاعبون بأفكاره؟! ولماذا اعتدنا على أن نكون ردًا للفعل لا الفعل؟!


بعيدًا عن التفاصيل التي كانت الجزء الأصيل من بروباجندا كان المستفيد الوحيد منها البرنامج الأمريكي (٦٠ دقيقة) فقد تابعت ما قاله الرئيس ليس فقط من القناة التي بثت الحوار، ولكن من الجزيرة التي أولت اهتمامًا للحوار فتصدرت شاشتها تصريحات الرئيس، وأظنها كانت تنتظر ما تنقض به على مصر وفقًا لنهجها في السنوات الأخيرة، لكن ما جاء في الحوار لم يخرج عن سياق التسريبات التي سوقت بها القناة الأمريكية لحوارها مع الرئيس فوقعت الجزيرة في الفخ عندما سخرت برامجها ونشراتها طوال أيام للدعاية لبرنامج لم يحمل جديدًا.

فأغلب ما قاله الرئيس سبق أن صرح به أكثر من مرة، وهو ما يقوله غالبية المصريين، ألم يقل السيسي من قبل أننا لا نواجه إلا من يحمل السلاح ؟ ألم نرفض نحن المصريين حكم محمد مرسي ونزل أكثر من ثلاثين مليون مصري إلى الشارع مطالبين برحيله؟ ألم تستدع حالة الحراك في ذلك الوقت إجراءات أمنية لحماية البلد من الانفلات؟ ألم نفوض السيسي لحمايتنا من الفكر المتطرف لأقلية سعت إلى اختطاف مصر؟

أليس من البديهي أن يتوه القاتل الحقيقي في مواجهات مسلحة خاصة إذا كانت الأعداد كبيرة؟ ألم يكن طبيعيًا التنسيق مع إسرائيل في حربنا على الإرهاب لتمكين قواتنا من دخول المنطقة المحظور دخولها وفقًا لاتفاقية كامب ديفيد؟ ألم يعهد الرئيس إلى لجنة تم تشكيلها لتقديم كشوف بأسماء شباب تم سجنهم عندما اتسعت دائرة الاشتباه ليصدر قرارًا بخروجهم من السجن وآخرين يعفو عنهم؟

هذا ما قاله الرئيس للبرنامج الأمريكى ( ٦٠ دقيقة ) الذي استغل تربص العديد من النوافذ الإعلامية بمصر وسخرها لعمل دعاية غير مسبوقة لحواره مع الرئيس، فلماذا الخجل من التعاطي مع الحوار وكأن على رءوسنا بطحة؟

قد يختلف البعض على إجابة واحدة وهي المتعلقة بالمعتقلين السياسيين، لذلك جعلتها الجزيرة ومثيلاتها محورًا خصصت له مساحات في برامجها طوال الأيام الثلاثة الماضية، وأظن أن الإعلام المصري كان قادرًا على الرد حتى لا يترك مجالًا للمزايدة. لكن ما حدث أننا تراجعنا لأسباب أبرزها ثقتنا المفقودة في أدواتنا الإعلامية، وتخوفنا من اسم البرنامج وتاريخه الحافل بكبار الشخصيات ومذيعه الذي تعاملنا معه وكأنه من كوكب آخر، متناسين أن لدينا الحجة وأدوات صدأت بسبب عدم استخدامها، وقفنا جميعًا نتفرج على من ينالون من الرئيس وكأن ما فعله لم بكن مطلبنا، وكأنه قال ما لم يقله من قبل أو ما نقوله نحن يوميًا.

هذا فيما يخص مضمون الحوار، أما الشكل فلنا عليه ملاحظات:
أولًا: طبيعي أن يكون سفيرنا في واشنطن وسيطًا بين مؤسسة الرئاسة وإدارة البرنامج، لمعرفة موعد عرضه أو حذف أجزاء منه، والطبيعي أن يعرف الأسئلة قبل اللقاء ويتابع المونتاج، وكاذب من يدعي غير ذلك بحجة أن هذا لم يحدث في الإعلام الأمريكي، اسألوا المذيعة المصرية التي حاورت أحد رؤساء أمريكا قبل سنوات قليلة.. هل كانت حرة في طرح أسئلتها؟

ثانيًا: لا القناة ولا البرنامج منزهان عن الانحياز، بدليل الردود الواهية عن أسباب تأخير بث اللقاء المسجل من ثلاثة شهور، واستضافة آخرين في نفس حلقة الرئيس للرد عليه، وهم من تعرف القناة توجهاتهم.

ثالثًا: ما كل هذه الضجة حول أداء المذيع؟ الرجل قام بدوره كمحاور يجعل من ضيفه ندًا، وهذه إحدى أبجديات العمل التليفزيوني الذي ربما نسيناها.

رابعًا: سواء سعى سفيرنا في واشنطن للحوار كما يردد البعض، أو سعت إدارة البرنامج فهذا طبيعي، من حق أي مسئول أن يروج لمصر من خلال لقاءات أو إعلانات، وارجعوا بالذاكرة إلى الوراء لتعلموا كم كانت تدفع الدولة في عهد الرئيس الأسبق مبارك لشركات العلاقات العامة في أمريكا لتحسين صورة مصر أو الترويج لشيء ما، وهو أسلوب تتبعه كل الدول.

خامسًا: ما سبق لا يعفي من أخطاء حدثت، منها: معرفة توجه البرنامج وعدم الاكتفاء بجماهيريته، وهذا لم يكن يتأتى إلا بالتوقف أمام حلقات سابقة كان ضيوفها رؤساء، أو شخصيات مصرية، ويكفي أن نفس البرنامج لم يستضف من مصر في السنوات الأخيرة سوى من يعتبرهم نشطاء سياسيين، وكان أبرزهم علاء عبد الفتاح، كما أن القناة فتحت برامجها أمام باسم يوسف، وهي من القنوات التي ساندت ما يسمى (الربيع العربي).

سادسًا: اعتدنا على مراقبة الضيف أثناء ظهوره على الهواء أو التسجيل، فإذا استشعرنا خللًا في ملابسه نهم بتنبيهه حتى لو تطلب ذلك وقف الهواء، فالحفاظ على هندام الضيف مسئولية فريق العمل، كما أن العديد من ضيوف البرامج يتعرقون عندما تسلط عليهم الإضاءة، ومسئولية فريق عمل البرنامج بداية من المذيع وانتهاءً بالمخرج.. هي تنبيه الضيف بمسح عرقه الذي يستشعره فريق العمل قبل الضيف، ولأن نوايا فريق البرنامج لم تكن خالصة.. لم يتم تنبيه الرئيس لهذا الأمر، واعتبروا ذلك جزءا من نجاحهم الوهمي في إحراج الرئيس، لذلك كان على من حضر اللقاء من الجانب المصري أن يوقف التسجيل وينبه الرئيس.
basher_hassan@hotmail.com
الجريدة الرسمية