استعلاء المسئولين على المواطن.. كارثة!
ما هى القضية التي تشغل بال المجتمع المصرى الآن!؟ لن نجد إجابة قاطعة نجمع عليها أو يجمع عليها الأغلبية العظمى من المواطنين!
في زمن ما قبل ثورة 23 يوليو 1952 كان الاستقلال وإجلاء المستعمر الإنجليزي هو الهدف الأسمى لدى الرأى العام الوطنى، بالرغم من تدهور الحال لدى جموع الشعب المصرى لمستوى متدنٍ، إلا أن قضية مقاومة الاستعمار كانت الشغل الشاغل لدى كل القوى في المجتمع سواء طلبة أو عمال أو دون ذلك، وعندما تأكد أن استمرار الملك يعنى استمرار المستعمر الحاكم الرئيسى أو الحقيقى لمصر جاءت ثورة يوليو لتخلع الملك وتطرد الاستعمار ويلتف حولها الشعب بكل طبقاته..
خاصة أنها كانت قد حددت هدفها وهو الوقوف إلى صف وجانب المواطن الفقير، الذي عانى على مدى مئات السنين من القهر والفقر والمرض، فأقمت خلال ثمانية شهرا فقط نحو ألفين وخمسمائة وحدة ريفية، والوحدة الريفية كانت تضم وحدة إصلاح زراعى، ومستشفى، ووحدة للحكم المحلى، خلال أشهر تم توزيع مئات الآلاف من الأفدنة على الفلاحين، تم بناء آلاف المدارس وفتح المجانية حتى الجامعة..
هذا كله جعل الشعب يلتف حول قيادته ويصدقها في كل ما تعلن عنه، في 1956 وفى جريمة العدوان الثلاثى وقف الشعب في مواجهة العدوان، في حادثة غير مسبوقة تم توزيع الأسلحة على المواطنين، وبعد الحرب تم إعادتها بلا نقصان بندقية واحدة، إنها الثقة المطلقة المتبادلة بين الشعب وقيادته، ويمارس فقهاء الدجل من النخبة ويقولون لم يكن هناك ديمقراطية وحريات..
أقول أين كنتم وأنتم تهللون وترقصون لكل قرار تتخذه القيادة، سأضرب مثالا واحدا، بعد محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في 1954، تم تشكيل لجنة لتنقية جداول نقابة الصحفيين، من كان يرأسها؟!
إنه الكاتب الكبير جلال الدين الذي ارتدى ثوب الحريات بعد رحيل جمال عبد الناصر، أعود إلى العلاقة بين الشعب والقيادة، بعد هزيمة يونيو 67، وانكسار الأمل في أحلام عشناها بقلب وروح وعقل حقيقى، لم تنكسر إرادة الشعب المصرى والتفت حول قيادتها حتى استطاعت أن تعيد الثقة في الجيش المصرى المظلوم في نكسة لم يشارك فيها..
وتأتى ملحمة العبور في "السادس من أكتوبر –العاشر من رمضان"، ويلتف الشعب حول جيشه وهو يغسل كل آثار هزيمة 67، ويتجلى معدن الشعب المصرى طوال فترة الحرب، فلا تحدث حالة سرقة واحدة، لا يقدم بلاغ واحد في كل أرجاء مصر، حتى في حادثة اغتيال السادات 1981، توحد الشعب ضد الإرهاب والقتلة وأيدوا حسنى مبارك رئيسا بعيدا عن الاختلاف حول قدراته..
لم يحدث أن قال أحد يومها أنه غير مدنى أو أنه من الجيش أو...أو...الخ لأن الجميع كان يستشعر اللحظة وخطورتها على مصر، في 30 يونيو 2013 التف الشعب حول الجيش عندما استشعر أن استمرار الإخوان ضد مصلحة الوطن ووحدته، ولأول مرة ومنذ رحيل جمال عبد الناصر يخرج الملايين لتلبية دعوة مسئول –السيسي-لمواجهة الإرهاب، ولا ننسى دعوة السيسي للاكتتاب لشق الفرع الجديد لقناة السويس..
وخلال أسبوع تم جمع ما يزيد على القيمة التي تحتاجها القناة، كل هذا نتذكره على مدى ما يقرب من سبعين عاما، وهى في عمر الأمم غمضة عين، ولكن في عمر الإنسان تمثل أي الكثير وما يحمله من أعباء دائما هو من يدفعها من دمه وعرقه بعيدا عن من يجلسون في المكاتب المكيفة والسيارات الفارهة، السؤال الذي يطاردنى هذه الأيام.. لماذا افتقد المسئول في بلدى ثقة المواطن وكيف تعود هذه الثقة إذا كان في الإمكان أن تعود؟!
قبل الإجابة أريد العودة إلى السبعينيات، وأحداث الانتفاضة الشعبية في 18و19 يناير 1977، يجمع المحللين أن رفع الأسعار وإلغاء الدعم كان السبب الرئيسى مع استغلال بعض القوى المعارضة خاصة اليسار الأحداث، ولكن لى سبب آخر يتجاهله الجميع سواء كان عمدا أو جهلا، مشكلة السادات مع الشعب في تلك الفترة هو أنه بدأ يتحدث عن الخير والرخاء الذي سيعم الوطن وسيغتنى الفقراء بعد الانفتاح وأن عام 1980 هو عام الرخاء، هذا ما ردده السادات وحمله إلى الشعب الإعلام الكاذب الأفاق وبالغ في تصويره، لهذا حدثت الصدمة لدى المواطن، فكان رد فعله غير منطقى في بعض الأماكن من شملها التخريب!
لماذا لا يثق المواطن الآن في المسئولين؟ لماذا يشعر بأنهم لا يمثلونه؟!
وأعود إلى الخمسينيات والستينيات كان الوزير يحصل على بونات من أجل بنزين سيارته الحكومية، كان يعلم أنه لا مجال في السرقة أو الكذب على المواطن، واليوم أصبح الوزير منهم من يتقاضى أكثر من مئات الآلاف من الجنيهات من كثرة وجوده في لجان معظمها وهمية، والحد الأدنى للوزير هو 43 ألف جنيه وليته يتواضع، للاسف معظم الوزراء يتحدثون باستعلاء غريب على المواطن وكأنه جاهل لا يفهم مصلحته وأن الوزراء هم الصفوة المختارة من السماء لإنقاذ مصر..
وزير النقل نموذجا، ووزير التربية والتعليم صاحب أكبر عدد من المستشارين نموذجا آخر، وليتهما عندما يتحدثان للمواطن يحترماه ولكنهما وغيرهما يتحدثون باستعلاء على المواطن الذي يتفاجئ كل يوم بالقبض على مسئول فاسد، الغريب أن المسئول الذي يقبض عليه يكون منفردا بالرغم أنه أحد حلقات شبكة الفساد المتجذرة في مفاصل الدولة للأسف!
إذن يكون يثق المواطن في المسئولين سواء الفاسدين أو الذين يتعالون عليه، خاصة أنه يعلم ويرى أنهم يعملون لوطن آخر وناس اخرين ليس مصر وليس هو الهدف من كل ما يحاولون تزينه للناس، على الدولة أن تراجع نفسها جيدا إذا كانت تريد استعادة الثقة أو البعض منها لدى المواطن الذي يئن من اختراعاتهم التي ما أنزل بها الله من سلطان!
راجعوا التاريخ.. وتعلموا.. قبل أن تلقوا إلى مزبلة التاريخ بدلا من قلوب المصريين..
وستحيا مصر بنقاء فقرائها وبسطائها الغلابة!