رئيس التحرير
عصام كامل

كل عام ونحن بشر!!


كل سنة ونحن بخير.. كل سنة وبلادنا بخير.. كل سنة وأسرنا بخير.. عام جديد يطل برأسه اليوم على العالم، بعد أن انسحب عام امتلأت خزائنه بالحزن وكثير من الدمار، حتى تكاد أن تشعر بأن الإنسانية لم تراوح مكانها منذ الجاهلية الأولى، فالقتل أعنف وأكثر، والعدوان أوسع، والظلم أبشع، والإنسان لا يزال يدور في فلك الشر المستطير، ويغرق في بحار من عدوانية القوى على الضعيف.


عام جديد يستأذن في الدخول بإطلالة نتمنى أن تحمل الخير للبشر، وأن يكف الطامعون عن طمعهم، وأن يعود الضمير إلى ثكناته التي تركها مغادرا وغائبا وتاركا الأجساد بلا محرك ومحفز ومحرض على الخير.. عام جديد نحلم بأن تكتسى الإنسانية برداء الإنسانية.. أن يقرأ الظالم صفحات من تاريخ الظلم ليعلم أن نهايته لن تكون أسعد، وأن سطور التاريخ لن ترحمه، وأن الله قبل البشر سيحاسبه.

عام جديد يحدونا الأمل أن نتعانق أكثر، وأن نطوى صفحات الفرقة والصراع.. أن نبنى وطنا للسكن والسكنى والسكينة.. وطنا يجمع الكل تحت سماء واحدة.. يلملم نوايا الشر ويلقى بها في سلة مهملات لتعيد التدوير.. عام نتصالح فيه مع ذواتنا تمهيدا للتصالح مع الآخر.. عام نبنى فيه الثقة من جديد بين أطياف الأمة.. عام نقبل فيه المختلفين معنا، ونحمد الله على هذا الاختلاف.. اختلاف نعتبره ثراء لتجربة وطن نثر أنواره على الدنيا، عندما كان الظلام ساطيا على العقل البشرى والأفق الإنسانى.

عام جديد نتمنى أن نصبح لوحة جماعية، تزخر بألوان متناسقة لا متنافرة.. نشدو بأغنية وطنية واحدة وراء ضمير وطنى خالص.. عام نواجه فيه بشجاعة عيوبنا، ونستر عيوب الآخرين، ونتعامل فيه بواقعية الراغب في سد الفجوة بين الأطياف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. عام نعرف فيه قدر بلادنا وقيمتها وتاريخها وحضارتها.. عام نقرأ فيه التاريخ لنعيد الصياغة دون تكرار لن يفضى إلا إلى ذات النتائج الانهزامية المتتالية.

عام جديد يؤمن فيه المصرى أن بناء مستشفى أفضل من بناء جامع.. عام يعرف فيه المصرى أن تشييد مدرسة أعظم عند الله من بناء كنيسة.. عام لا نمارس فيه النفاق مع السماء.. عام نعرف فيه أن تمهيد طريق وصنع أمل لمعوز وصيانة امرأة من الحاجة، وإطعام طفل وتعليمه هو أفضل عند الله من كل الممارسات الشكلية التي تجهدنا وتجهد أبناءنا، ولا تعود علينا إلا بمزيد من الرياء.

عام يعلو فيه قدر المعلم، ويصعد فيه العالم، ويتبوأ الكتاب مكانه.. عام جديد نعرف فيه أن بناء البشر هو أساس علو الحجر.. ندرك فيه أن "العلم في الكراس وليس في الراس".. نوقن فيه أن العلم نور يبدد ظلام الجهل والجاهلين.. عام ننهى فيه عصور القطيع، ونمهد الطريق لجدال حميد وعقل مستنير وقلب أمين، وساحة نتبارى فيها لطى مسافات الصراع والتهميش والرفض.

عام جديد في أحلام الفلاسفة وكتابات الحالمين.. عام يصبح فيه الإنسان إنسانا.. عام نمارس فيه آدميتنا في مواجهة حيوانية أضحت أداة الإمبراطوريات الجديدة ضد العدل والمساواة والتسامح.. كل سنة ونحن بشر مستخلفين في الأرض، لنعمرها لا لندمرها ونخربها، ويأكل بعضنا بعضا.

الجريدة الرسمية