رئيس التحرير
عصام كامل

صندوق بندورا


تقول الميثولوجيا الإغريقية إن بندورا امرأة أعطاها زيوس كبير آلهة الإغريق صندوقا مليئا بشرور العالم من جشع، وغرور، وافتراء، وكذب وحسد، ووهن، ورجاء وطلب منها ألا تفتحه ولكن الفضول جعلها تحاول فتحه فخرجت كل هذه الشرور وعندما حاولت غلقه أغلقته على الأمل. 
تأتينى هذه الأسطورة الآن وأنا أتخيل ما وصل إليه حال الثورة المصرية والتى تحولت من ثورة إلى كابوس، صندوق بندورا آخر، ولكن هذه المرة أشد مقتا وعفنا، فلقد انفتحت ماسورة مجارى مليئة بالوسخ والقذارة تلقى بالكذب والعفونة والحقد والتشويه على الجميع، تخرج مصطلحات مثل الفلول أو الجبهات أو الحركات أو حزب الكنبة على هؤلاء البسطاء الذين لا يريدون إلا لقمة العيش والهدوء وراحة البال . 
عندما تشاهد وتقرأ جرائد اليمن واليسار والوسط وغيره لا تجد سوى اتهامات متبادلة وتشويه وكذب وقلب حقائق واجتزاء لكلام وغيره من الشرور التى انطلقت مع بندورا الثورة، بندورا التى فاق كل ما يحدث تخيلها، أصبح القتل والخطف وقطع الطرق والاحتجاج والاعتصام والتظاهر ورمى البيض والمولوتوف وضرب النار والتحرش شيئا طبيعيا جدا فى مجتمع كان يقول إنه بلد الأمن والأمان . 
هل كشفت الثورة عن وجهنا القبيح، زالت من عليه المساحيق فجأة فرأينا أنفسنا فى المرآة الصادقة ونحن نقتل أنفسنا ونشوه تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، لو كان أعظم روائى تخيل هذه الأحداث قبل الثورة لقالوا عليه مجنونا حتما، ولكن الآن أصبح الجنون أن تسير عكس التيار فإما أنت ثائر وإما أنت مع النظام لا ثالث لأفكارك، الطريق الثالث فأنت إما فلول أو حزب كنبة، وللأسف الفلول ما زالوا فى أماكنهم يعملون والغريب يعملون بجد وبما يرضى الله بعدما كمنوا عما فعلوه قبل الثورة أما حزب الكنبة فيعمل فقط من أجل لقمة العيش، ولا أحد يعمل من أجل مصر. 
الحقيقة صادمة؟ نعم؟ انظروا فى المرآة جيدا يا سادة، امسحوا عنها غبار ثلاث سنوات إلا بضعة أشهر لتروا وجوهكم جيدا، قمتم بثورة عظيمة .. ثم تكالبتم على المناصب مثل الذئاب بعضكم يقتل بعضا من أجل كرسى، بل أصبح من مصلحة البعض أن يردد شعار " الثورة مستمرة " الشعار الذى كنا نقاتل خلفه فى الميدان أصبح سبوبة للبعض، الكثيرون استطاعوا أن يتحولوا إلى مليونيرات فى هذه الأيام بشعار الثورة مستمرة، بل إن البعض يضارب فى البورصة بعد أن يحرك الأمور ليكسب بضع ملايين من المضاربة، أو يخفى ويتلاعب فى السلع مثل السولار والدقيق وغيرهما، بل لا أستبعد وقد يتهمنى البعض بالجنون وبتبنى نظرية المؤامرة أن هؤلاء من يتشاتمون أمامنا نحن السذج على الفضائيات تجمعهم الموائد ليلا ليتفقوا على حدث نخرج فيه نحن السذج ليموت منا البعض ويصاب البعض الآخر .. ثم تمتلئ أرصدتهم فى البنوك.. 
أعود إلى صندوق بندورا فقد أغلقته الأخيرة على الأمل، وأعتقد أن الأمل ما زال موجودا، رأيى سيغضب الكثيرين ولكن أرجوكم لحظة انظروا فى المرآة. 

الجريدة الرسمية