«أديب الفراش».. روايات إحسان عبد القدوس بين الرفض ومقص الرقيب
وصف النقاد أدب إحسان عبد القدوس بأنه أدب الجنس حتى أن الأديب عباس محمود العقاد أطلق على أدبه «أدب الفراش» خاصة بعدما قدم روايات «النظارة السوداء» و«بائع الحب» و«صانع الحب» التي أنتجت قبل ثورة يوليو 1952.
وفى هذا يدافع إحسان عن نفسه بقوله : "لست الكاتب المصرى الوحيد الذي كتب عن الجنس، فهناك المازنى في قصة (ثلاث رجال وامرأة) وتوفيق الحكيم في قصة (الرباط المقدس ) وكلاهما جنس أوضح مما كتبت، كما أن نجيب محفوظ يعالج الجنس بصراحة في رواياته إلا أن رواياته تدور حول المجتمع الشعبى الذي لا يقرأ ولا يكتب، أو يكتب في مواضيع تاريخية.
أما أنا فقد كنت واضحا وصريحا وجريئا فكتبت عن الجنس حين أحسست أن عندى ما اكتبه عنه سواء عند الطبقة المتوسطة أو الطبقة الشعبية دون أن أسعى لمجاملة طبقة على حساب طبقة أخرى.
لكن ثورة الناس على هؤلاء الأدباء جعلتهم يتراجعوا لكنى لم أضعف مثلهم عندما هوجمت فقد تحملت سخط الناس على لإيماني بمسئوليتى ككاتب.
كان أول صدام رقابى بعد الثورة مع إحسان عبد القدوس كان في فيلم (الله معنا ) المأخوذ عن إحدى قصصه وإخراج أحمد بدرخان ومنع الفيلم من العرض ثلاث سنوات، ولم يصرح بعرض الفيلم إلا جمال عبد الناصر بعد حذف شخصية اللواء محمد نجيب من الفيلم، وحضر الرئيس عبد الناصر العرض الأول للفيلم بدار سينما ريفولى عام 1955 ليكذب بنفسه الشائعات التي حالت دون عرض الفيلم.
تعرض إحسان للنقد والهجوم في روايته «أنف وثلاث عيون» حتى أن أعضاء مجلس الأمة قدموا سؤالا إلى الدكتور عبد القادر حاتم وزير الثقافة يطالبه بمنع رواية «أنف وثلاث عيون» واتهام مؤلفها بالعمل على نشر الإباحية في المجتمع مما يستلزم تقديمه إلى نيابة الآداب ومحاكمته، وتدخل عبد الناصر الذي كانت تربطه بإحسان علاقة وطيدة وسكت الجميع.
وكتب إحسان ردا على ما حدث في روز اليوسف يقول فيه: « أنا لا أكتب في الجنس فقط لكنى أكتب عن كل ما في الحياة التي يعيشها المجتمع..أنا لا أخاف من الكتابة في الجنس لأنه موجود في حياتنا ومؤثر فيها إلى حد كبير. وهناك فرق هائل بين قصة تدنس شرف المرأة وقصة تصفع جهل بعض الأسر بواجبها نحو عملية البناء النفسى السليم لبناتهن، أنا إذن مدافع عن كرامة المرأة ولست هادما لها أو فاضحا لهذه الكرامة.
لم تكن رواية «أنف وثلاث عيون» التي يعترض عليها مقص الرقيب، فالرئيس عبد الناصر نفسه أعترض على روايته «البنات والصيف» التي وصف فيها حالات الجنس بين الرجال والنساء في الشواطئ في أجازات الصيف، فأرسل إحسان عبد القدوس رسالة إلى عبد الناصر يبين فيها أن قصصه من وحى الواقع بل أن الواقع أقبح من ذلك قال فيها :
عزيزى السيد الرئيس..أبلغنى صديقى الأستاذ هيكل رأى سيادتكم في مجموعة القصص التي نشرتها أخيرا بعنوان «البنات والصيف» وقد سبق أن أبلغنى السيد حسن صبرى مدير الرقابة نفس الرأى واتفقت معه على تعديل الاتجاه الذي تسير فيه قصصى.
إنى مؤمن بالله ياسيادة الرئيس، ولست ملحدا ولعلك لا تعرف أنى أُصلى..لا أُصلى تظاهرا ولا نفاقا فإن جميع مظاهر حياتى لا تدل على أنى أُصلى، ولكنى أُصلى لأشعر بارتياح نفسى عندما أُصلى، وعند تصوير «البنات والصيف» سينمائيا تدخلت الرقابة في القصة وقامت بتعديل نهاية الفيلم بانتحار البطلة مريم فخر الدين عقابا لها على أنها خانت زوجها في الفيلم.. وكان ذلك عكس مجريات أحداث القصة.
وفى فيلم "لا أنام" قامت الرقابة بتعديل نهاية الفيلم بحرق بطلته فاتن حمامة لأنها كانت فتاة شريرة.. رغم أن نهاية القصة الحقيقية لم تكن كذلك.
أما فيلم «الطريق المسدود» تدخلت الرقابة بتعديل نهايته بزواج البطلة بدلا من انتحارها.
فيلم «عندما لا يطير الدخان» رفضت الرقابة القصة من المبدأ وبعدها بست سنوات قام المخرج أحمد يحيى بعمل استئناف إلى لجنة التظلمات، وكانت معركة طويلة مع الرقابة حتى وافقت على الفيلم.
فيلم «ياعزيزى كلنا لصوص» رفضته الرقابة بحجة أنه يحمل حكما على كل البلد بانهم لصوص وقد أوقف وزير الثقافة الفيلم عامين حتى أفرج عنه وتمت الموافقة عليه.
أيضا ساد الجدل نشر روايته «أنا حرة» مسلسلة في روز اليوسف واتهامه بتصوير الفتاة المتحررة والدعوة إلى تمرد الفتيات مما دعا كاتب القصة إلى نشر مقال في روز اليوسف التي يرأس تحريرها عام 1953 تحت عنوان (هذه الحقيقة ) يقول فيه:
إنى لا أطمع أن يقتنع كل قارئ بهذه القصص التي أنشرها ولكنى أريد أن يحاول كل قارئ أن يفهمها وألا يكتفى بقراءة سطرين فقط ليحكم على القصة.. فلا تحكموا قبل أن تفهموا حتى لا تظلمونى، وكان يمكننى أن أتجنب كل هذه المتاعب والاتهامات لو أنى حذفت بضعة سطور من القصة أو عدلت تعديلا بسيطا في نهاية بعض قصصى مثل قصة «أنا حرة» لكنى صممت أن تبقى نهايتها حرة لأنى لا أريد أن أشوه الحقيقة خاصة وأن هذه القصص والروايات تصور حقيقة الإنسان.