التاريخ.. ولا تذكروا محاسن موتاكم!
تحتفل الحكومة بذكري مولد الرئيس الراحل أنور السادات بطريقة اذكروا محاسن موتاكم، بالإضافة أنها وهي تتبع نفس سياسات السادات تنتهز الفرصة لتكسب من هذه المناسبة بعض الشرعية لدى أنصاره، ومن لا يعرفون عنه كثيرا سوى أنه كما يدعون بطل الحرب وبطل السلام، ذكرى مولد شخصية تاريخية مثل السادات تقتضي محاولة لفهم من كان، وتقييما لسياساته.
السادات كان على خلاف معظم أعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو، كان منجذبا لما أسميه الوطنية المصرية، لا القومية العربية ولا التوجه الإسلامي، هو كان عضوا فاعلا في خلية إرهابية اغتالت شخصية سياسية وفدية هي "أمين عثمان" الذي ذاع عنه أنه كان محبا للبريطانيين، بينما كان دوره هو الوساطة بينهم وقادة الوفد، وقد حوكم السادات بسبب عضويته في هذه الجماعة التي كان يقودها حسين توفيق.
وقد حاولت نفس الجماعة اغتيال الزعيم مصطفى النحاس ثاني قائد لحزب الوفد وأخفقت في ذلك، وهو كان معجبا بألمانيا النازية واشترك في جماعة كانت تتجسس لحسابها أثناء الحرب العالمية الثانية، وعلى عكس معظم أعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو مثل عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وزكريا محيي الدين وكمال الدين حسين لم يشترك في حرب فلسطين، وقد سعى لترويج مقولة مصر للمصريين والتنكر للعروبة بعد توليه رئاسة مصر، لذلك لم يكن غريبا سعيه للصلح مع إسرائيل بتسوية جزئية ثم بمعاهدة صلح كاملة في ١٩٧٩.
وهو الذي سعى لتحويل مصر إلى الاقتصاد الرأسمالي واسمى ذلك سياسة الانفتاح الاقتصادي، موحيا بأن السياسات التي سبقت ذلك كانت سياسات انغلاق، على حين أن مصر لم تقطع صلتها بالسوق الرأسمالي العالمي حتى في أصعب سنوات الحصار الاقتصادي الذي فرضه عليها المستعمر السابق.
وقد شهدت سنوات الخمسينات والستينات انفتاحا ثقافيا غير مسبوق على الغرب، فذهب مئات من خيرة خريجي الجامعات المصرية للدراسة في أرقى الجامعات البريطانية والأمريكية والفرنسية، واستضافت مصر مفكرين غربيين بارزين أذكر منهم "جان بول سارتر" و"جاك بيرك".
ومن المعروف أن سياسة الانفتاح الاقتصادي فاقمت من مشكلات مصر الاقتصادية، حتى أسماها الأستاذ المرحوم أحمد بهاء الدين "انفتاح سداح مداح"، ولذلك كان من أوائل اهتمامات سلفه حسني مبارك هو محاولة علاج الخراب الاقتصادي الذي تسببت فيه هذه السياسة، وعقد بعد عام من توليه الرئاسة مؤتمرا اقتصاديا ضم خيرة علماء الاقتصاد في مصر، هو المؤتمر الاقتصادي في ١٩٨٢.
أما عن حكاية أنه بطل الحرب والسلام فيحمد له بكل تأكيد، أنه قاد البلاد مع سوريا في حرب أكتوبر ١٩٧٣، والتي كانت تتويجا لجهود بذلتها القوات المسلحة المصرية بدأت بدأب في أعقاب هزيمة يونيو ١٩٦٧، ولكنه كان أول من بدد نتائج هذه الحرب بدعوته أثناء الحرب الولايات المتحدة للتدخل سعيا لتسوية، وخصومته مع الاتحاد السوفيتي بعدها مباشرة، وهو الصديق الذي يعود له ما تحقق من انتصار في حرب أكتوبر للأسلحة الجديدة المبتكرة التي قدمها لمصر، وبدعوته الدول العربية لوقف مقاطعتها تصدير النفط للولايات المتحدة وهو ما كانت بدأته أثناء الحرب وتضامنا مع مصر وسوريا.
وأخيرا فهو نفسه الذي سعى لصلح منفرد مع إسرائيل في ١٩٧٧، كان من السهل على مصر أن تحصل عليه بدون حرب، لأن شروط هذا الصلح كانت استسلاما كاملا لمطالب إسرائيل، بتقييد السيادة المصرية على سيناء، والتطبيع الكامل معها دبلوماسيا وثقافيا واقتصاديا، وكان من المهين أن يذهب إلى القدس التي تدعيها إسرائيل عاصمة لها ويضع إكليلا من الزهور على نصب ضحايا المحرقة، وكأنه يعتذر لإسرائيل عن جريمة لا علاقة للعرب بها، بينما كان يجب أن يطلب من الكيان الصهيوني الاعتذار عن جرائمها في حق الفلسطينيين والمصريين والعرب الآخرين بعدوانها المتكرر عليهم واغتصابها لأراض فلسطينية وعربية.
لا ينكر أحد أن التعذيب قد اختفي في سجون مصر أثناء فترة حكم السادات، ولكن هذا الرئيس الذي وعد بالديمقراطية في مايو ١٩٧١ هو نفسه الذي نكل بالمثقفين في ١٩٧٢، وهو الذي أنهى حكمه بوضع أكثر من ألف ونصف من السياسيين والناشطين المصريين من كل الاتجاهات في السجن، وهو الذي نقل عشرات من أساتذة الجامعات والصحفيين خارج الجامعات ودور الصحافة.
الشعب المصري عرف السادات خير المعرفة، ولذلك فإنه بعد اغتياله لم يسر في جنازته سوى رجال دولته فقط وقيادات الدول الغربية التي انحاز تماما له!، شكرا للدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية الذي رسم بكلماته العميقة صورة عن رجل طبيعي يختلف حول دوره منذ تولى رئاسة مصر!
هل نتعلم مما يحدث في تاريخنا!؟ الماضي لن يعود ولكن علينا أن نتعلم من أحداثه.. وتحيا مصر!