رئيس التحرير
عصام كامل

د. ريمون ميشيل يكتب: أصل كل الشرور

ريمون ميشيل
ريمون ميشيل

في حوار صحفي لرائد الأعمال المصري المهندس نجيب ساويرس ألقى عليه المذيع ذلك السؤال، وقال له ما هو المبلغ الذي يود أويَحلم رجل الأعمال نجيب ساويرس الوصول إليه؟ 

فأجابه دون تردد أو تفكير بتلك الكلمات: "أنا لم أعد أنظر للأموال بتلك النظرة، فإن الإنسان أحيانًا حين يَصل إلى مبلغ معين ويَقتَنيه لا يُصبِح لما بعده قيمة تُفرِح نفسه".

وأثناء استمرار الحديث اكتشفت أن ما يتمناه الكثيرون قد أصبح بالنسبة له نقطة إكتفاء وشُكر لله على نعمة الصحة.

فتيقنت حينها صحة الحكمة القائلة إنه لا غِنيَ للإنسان خَيرُ من عافية الجسم ولا سُرور لنفسه يفوق فَرح القلب، وقد قيل قديمًا إن محبة المال هي أصل لكل الشرور، وأما أنت فاهرب من هذا، فالثروة التي لا يشبع الإنسان منها يُصبِح عبدًا لها فيفقد الشعور بالاكتفاء ومعه يفقد معنى البهجة والشعور بالاستمتاع بعد أن يمضي العمر في طريق جمع الثروة ليكتشف في نهاية الطريق إنه قد نسي أن يعيش، وهو ما قد أدركه مؤخرًا رائد الأعمال ستيف جوبز مؤسس شركة أبل وهو على فراش الموت أن جميع الأموال التي يملكها لا يمكنها إنقاذه أو مساندته لاستعادة صحته وعافيته، ولذلك فإن استطعت أن تمتلك التقوى مع القناعة فتيقن أنها حقًا الثروة العظيمة لنفسك.
وبينما كُنت أتأمل في سيرة رائد أعمال يدعى إينغفار كامبراد والذي صُنِف كأغنى شخص في أوروبا والذي قد ترك عالمنا ورحل في بداية هذا العام تاركًا خلفه ثروة تُقَدر بنحو 46،8 مليار دولار تذكرت أنه من الواضح أننا لن نستطيع أن نخرج من العالم بشيء، تمامًا كما هو الحال عندما أتينا إليه.
ونحن على مقربة من توديع عام قد مضى أدعوك أن تمتلك فكرًا جديدا من حياة هؤلاء وغيرهم الكثير، وهو أن المال يُعد وسيلة لتسهيل العيش وليست هدفًا في حد ذاته نسعى للوصول إليه لنبذل حياتنا لأجله، لا تترك تلك الكلمات تَمضي بعيدًا كمرور البُخار من أمام أعيننا، وتذكر أن الأموال يمكنها أن تمنحنا الدواء، ولكنها لن تمنحنا الشفاء، تمنحنا وسائل الرفاهية، بينما لن يمكنها أن تمنحنا الراحة.
وأخيرًا ضع الأمور في نصابها الصحيح واسأل نفسك ماذا تريد فعلًا من تلك الحياة: هل المال فقط؟ أم الرضا والصحة وفرحة النفس؟ أم أننا ننظر إلى ما هو أبعد وأعمق من ذلك، وهو "حياتنا الأبدية أين سنقضيها"؟!
*******************************************
استشاري الصحة النفسية وكاتب في مجال العلاقات الإنسانية.
الجريدة الرسمية