ماذا فعل السيسي أمس في الإسكندرية بالضبط ؟!
رغم أنها بلدي.. فإن الدعوة كانت من الجامعة العريقة في مؤتمر من مؤتمرات اليوم الواحد، وبالتالي كان الذهاب بالطائرة هو الحل الأنسب.. من مطار أسيوط إلى مدينة أسيوط ما يزيد عن ثلاثين كيلومترا ولأن المحافظة شديدة الاتساع رأيت من السيارة لأول مرة سورا على شمال الطريق لا يريد أن ينتهي، وعندما سألت اندهشوا كيف أنني أحد أبناء أسيوط ولا أعرف هذا السور! ثم أضاف المتحدث: "أنه سور مصنع أسمنت أسيوط الشهير"!
كنت أعرف المصنع الكبير وكنا نتفاخر به رغم إقامتنا بالقاهرة منذ سنوات طويلة لكن حتى الخيال لم يصل أبدا بمساحة المصنع إلى هذا الاتساع.. سور يمتد إلى الطريق كله تقريبا، لكن المتحدث قال "إن عمق المصنع إلى الداخل أكبر من ذلك بكثير.. إنه المصنع الوحيد للأسمنت الذي تقع محاجره بداخله"!
كان المصنع بالفعل ظاهرة.. فهو خلاف أنه مصنع شديد الاتساع غني بثروته الطبيعية إلا أن ضم أيضا ناديا رياضيا بقريته كاملة الخدمات الرياضية، فضلا عن فندق خمسة نجوم، وقاعات للأفراح لا تخلو من مناسبات يوميا، رغم ابتعادها بعدة كيلومترات خارج المدينة فضلا على المصنع نفسه!
كانت صدمة بيع هذا المصنع في الخصخصة مأساوية.. فلم يعرف أحد أن السعر البخس كان مقابل المصنع أم القرية الرياضية أم الفندق أم جزء من الأرض.. إلا أن العقد يقول إن السعر مقابل كل ذلك!
الرئيس السيسي أمس يصرخ من الإسكندرية بسبب حق الدولة التي هي وكيل الشعب عند إحدى شركات القطاع الخاص والذي تجاوز عند اللجنة التي شكلها اللواء طارق فهمي لبحث ملف الموضوع سبعة مليارات وثلاثمائة وأربعة ملايين جنيه!
واللواء طارق المهدي كان محافظا قبل سنوات قليلة، ولم يفتح ملف الحديقة الدولية تلك إلا في عام 2004 في عهد اللواء المحجوب وأغلق في 2006 ليتجمد في عهد اللواء عادل لبيب وإلي اللواء المهدي!
135 فدانا و320 مستأجرا لمئات المشروعات داخل الحديقة من كافتريات ومقاه وملاه وألعاب ومطاعم كانت تدفع لها الشركة المستأجرة 450 ألف جنيه سنويا!! ولم تدفعها !! بل أجرتها من أباطن مقابل يصل إلى 660 مليون جنيه سنويا!! ولم تؤجرها فقط بل قسمت أجزاء منها وتم تقطيع بعض أوصالها !! ولمدة ربع قرن تقريبا!!!
السيسي ـ وهو يفتتح مشروعات للغلابة ممن حرموا طويلا وسرقت مخصصاتهم ـ يطالب بحق الدولة.. حق الناس.. من مخلفات عهد لم يلفت نظره عقد أسمنت أسيوط وهو واحد من مئات العقود التي باعت ممتلكات الشعب التي بناها بعرقه في نهضة الستينيات الصناعية.. رغم صراخ صحف المعارضة واحتجاجات العمال.. فهل سيلفت نظره حديقة هناك.. بالإسكندرية؟!
كنا نبحث عمن يغضب لأموال البلد.. وها هو يغضب!
هكذا كنا.. وهكذا نحن اليوم !