عواقب الانسحاب الأمريكي «المجنون» من سوريا
للأسف كعادتهم، باع الأمريكان "مجلس سوريا الديمقراطي"، ومنحوا بإعلانهم المفاجئ "سحب القوات الأمريكية من سوريا" الضوء الأخضر للرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" لاجتياح الشمال السوري، وضرب معاقل "جيش سوريا الديمقراطي" في شرق الفرات ومنبج..
على الرغم من الموقف البطولي والتضحيات التي قدمتها تلك القوات خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ونجاحهم في تحرير كامل منطقة الشمال السوري من تنظيم "داعشى الإرهابي" وآخرها القضاء على أكبر معاقل التنظيم العسكري في مدينة "هجين".
قراءة المشهد المرتبك تؤكد، أن "الأمريكان" الذي وقفوا طوال السنوات الماضية أمام رغبة الرئيس التركي لاجتياح الشمال السوري، بوجود قواتهم شرق الفرات، قد عقدوا اتفاقا "مجنون" مع الأتراك، تم بموجبه، بيع "قوات سوريا الديمقراطية" التي قدمت في سبيل تحرير سوريا آلاف الشهداء خلال الأعوام الماضية، مع تسليم "أردوغان" منطقة الشمال السوري، لتأمين حدوده من خطر مزعوم، وغير وارد، ولا مجال لتحقيقة لـ "إقامة دولة كردية" تهدد تركيا في منطقة الشمال السوري.
للأسف، أن الواقع يؤكد أنه لو سارت الأمور طبقا لاتفاق "ترامب - أردوغان" المجنون، فإن منطقة الشمال السوري ستشهد خلال الأيام القادمة مواجهة مأساوية بين "القوات التركية" و"قوات سوريا الديمقراطية" لن يكون المستفيد الأكبر منها سوى تنظيم "داعش" والفصائل المتطرفة بالمنطقة، والتي لم يضع الأمريكان والأتراك أي احتمال لعودتهم للمنطقة من جديد..
حيث تم وضع السيناريو القادم على أساس، احتلال الأتراك لمدن "تل أبيض كوباني، والدرباسية، والمالية، وديريك" وترك باقي مناطق الشمال السوري تحت سيطرة الإدارة الذاتية لـ "مجلس سوريا الديمقراطي" لحين عقد اتفاق بين النظام وروسيا من جهة، وبين أمريكا وتركيا والغرب من جهة أخرى.
ولعل ما يدعو للعجب هنا، أن الأمريكان، وضعوا سيناريو نهاية الحرب في سوريا وفقا أهواء الرئيس التركي، وعلى أسس غير منطقية صعبة التحقيق، تقضي بتدخل تركي لإنهاء كارثة آلاف المتطرفين في "إدلب" مقابل استكمال تركيا لاحتلالها للخط الحدودي مع سوريا، مع منح الفرصة لتمرير "اللجنة الدستورية السورية" في الشهر المقبل، وفقا للرؤية الروسية السورية.
أؤكد أن السيناريو الأحداث لن سيسير وفق ما أعلنه الأمريكان والاتراك، لأن أمر التطرف في "إدلب" أصبح أكبر من تركيا التي كان لها الفضل الأول في حشد سوريا بمئات الآلاف من المتطرفين.
كما أن الاتفاق لم ينتبه إلى الكوارث التي قد تنجم عن المواجهات بين القوات التركية و"قوات سوريا الديمقراطية" التي أصبحت تمتلك قوة واحترافية من الصعب الاستهانة بها، وهو ما دفع الأمريكان لطلب التعاون معهم بعد النجاحات المذهلة التي حققوها في معركة تحرير "كوباني" وهو ما يعني أن مواجهتها مع القوات التركية لن تكون بمثل السهولة التي يتوقعها الأتراك، وستأسس لفتنة قد لا تنتهي على الشريط الحدودي بين البلدين.
كما أن "الاتفاق المجنون" لم ينتبه لخطر عودة تنظيم "داعش" إلى المنطقة من جديد، في حالة انشغال" قوات سوريا الديمقراطية" في معركة مع الأتراك، ولا سيما وأن التجارب أثبتت قدرة التنظيم على العودة والتجمع في فترات قياسية.
العقل يقول إنه من المستحيل أن تكون الإدارة الأمريكية قد وافقت على إنهاء سيناريو الحرب في سوريا وفقا لأوهام الرئيس التركي، ولا سيما أنها لم تحقق أي من أولوياتها في سوريا -على عكس ما أعلن البيت الأبيض- وعلى رأسها "محاربة الإرهاب، والنفوذ الإيراني، والأمن الإسرائيلي، والصراع الأمريكي الروسي سياسيا واقتصاديا وعسكريا في سوريا والمنطقة".
أؤكد أن الأيام القليلة القادمة سوف تضع رؤية واضحة للمشهد المرتبك الذي وضعه اتفاق "ترامب - أردوغان" المجنون، خاصة وأن هناك أكثر من لاعب رئيسي على الأرض في سوريا، وأن أمريكا لن تستطيع أن تدير ظهرها بمثل هذه البساطة لشرق وشمال سوريا، لأن التخلي يعني صراحة تزايد النفوذ الإيراني، واستحواذ الروس على كل الموارد والمقدرات النفطية، وعودة التنظيمات الإرهابية من جديد، والأهم خروج أمريكا من أي معادلة سياسة، أو وضعها على الهامش بحكم افتقدها لعوامل القوة التي تستمدها من وجودها العسكري في سوريا.