سوسن زكي ومنى قطان.. رفيقات الدرب يتحدثن عن «جاهين» كما لم يعرفه أحد
نحن عندما نتحدث عن الشاعر والفنان صلاح جاهين يتبادر إلى أذهاننا سؤال: كيف كان يعيش جاهين الزوج والأب والإنسان، ولماذا انفصل عن زوجته الأولى وتزوج بأخرى ولماذا عاد إليها قبل وفاته وما هي حالته بعد نكسة 67؟
تحدثت الصحفية أمل سرور مع زوجتي صلاح جاهين، الرسامة سوسن زكى والممثلة منى قطان، ونشر الحوار في مجلة نصف الدنيا عام 1996.
بدأت سوسن زكى الزوجة الأولى وأم الشاعر بهاء جاهين وأمينة حوارها ببعض من أبياته:
ليه يا حبيبتى ما بينا دايما سفر.. ده البعد ذنب كبير لا يغتفر
ليه يا حبيبتى ما بينا دايما بحور.. أعدى بحر ألاقى غير الحفر... وعجبى
ليه يا حبيبتى ما بينا دايما سفر.. ده البعد ذنب كبير لا يغتفر
ليه يا حبيبتى ما بينا دايما بحور.. أعدى بحر ألاقى غير الحفر... وعجبى
وأضافت الزوجة الأولى: 10 سنوات مرت على وفاة صلاح لكنه ما زال حيا يعيش بيننا، فعندما حصلت على الثانوية العامة كنت أود الالتحاق بكلية الفنون الجميلة، وللأسف رفض والدى الذي ألحقنى بالعمل في دار الهلال كرسامة.
وجمعتنى صداقة بالفنان هبة عنايت وزوجته، وكان صلاح يعمل في مجلة التحرير التي تصدر عن دار الهلال، وكان اللقاء الأول معه مصادفة، بعدها سافر للعمل في السعودية وأمضى بها عاما واحدا ثم عاد.
فوجئت يوما بهبة عنايت يقول لي إن صلاح يريد أن يتقدم لخطبتى، وظللت حائرة ظنا منى أنه كان متزوجا، لكنى وافقت على الزواج لأن شخصيته أثرت في نفسى من خلال حديثى القصير معه، واستمرت الخطبة سنة ثم تزوجنا.
وتتذكر سوسن موقفا طريفا وقع يوم الخطوبة قائلة: كان صلاح جالسا بجوارى أمام المعازيم، ويظهر عليه الخجل الشديد، فاعتقد أقاربى أن دمه ثقيل، وفجأة وبدون مقدمات قام من الكرسى وضرب شقلباظ على السجاد المفروش على الأرض مما أثار دهشة الحضور.
صحيح .. صلاح كان قصيرا بدينا لكن وسامته كانت ساكنة داخل شخصيته، وكان أهم صفة فيه الصراحة الشديدة، فقبل الزواج قال إن عمله هو نمرة واحد في حياته، ولم يحتفل بشهر العسل سوى 3 أيام فقط عاد بعدها إلى عمله بمجلة صباح الخير التي كانت في بداية صدورها، وكان يعمل فيها معه أحمد بهاء الدين وحسن فؤاد، وكانت صباح الخير تشغله كثيرا، لدرجة أنه كان لا ينام إلا قليلا وكان يرسم كثيرا.
أما عن سلوكه كأب فقد أطلق على أول مولود لنا اسم بهاء نسبة إلى أحمد بهاء الدين، أما أمينة فكانت على اسم والدته.
وكان ينام في حجرة المكتب حتى لا يزعجنى أنا والأولاد، وعندما كبر الأولاد كان صديقا لهما خاصة أمينة، أما أنا فقد شجعنى على دراسة الفنون التي أحبها في معهد ليونارد دافنشى.
أما عن عاداته فأتذكر أنه عندما يكون فاضى ومفيش رسم أو كتابة يرقص ويتنطط في البيت، لكن عند كتابة الشعر أو الرسم كان عصبيا جدا حاد المزاج، ويرفض سماع أي صوت.. فكنت آخذ بهاء وأمينة وندخل الغرفة ونغلق الباب حتى لا يسمعنا.
أما عن الانفصال فقالت الزوجة الأولى: عندما عرف بأخرى أحسست وأخبرته بزواجه قبل أن يخبرني، وقررت الانفصال وتركت البيت إلى بيت والدى لكنه كان يتصل بى ويحضر الهدايا والتورتة في عيد ميلادى.. لكنى كنت أشعر أنى فقدت صلاح وهو كل ما لدى في الدنيا.
وعندما تقابلنا في عزاء ابن خالتى عام 1976 طلب العودة إلى خوفا على الأولاد وعلي، فأصررت أن تكون العودة على الورق فقط، وظلت الحياة بيننا هكذا.
ويوم رحل صلاح شعرت بكثير من المرارة التي استمرت معى، واحتفظ بالكثير من متعلقاته، فهو إنسان نبيل ولن يتكرر أبدا ولن يشعر قلبى بإنسان مثل صلاح.
أما الزوجة الثانية منى قطان فقالت عن أول لقاء مع صلاح جاهين: كانت والدتي جاكلين خوري تعمل صحفية في الأهرام، وعندما عدت ذات مرة من الخارج عرفتني والدتى بجميع زملائها، ومنهم أحمد بهجت ولويس عوض وصلاح جاهين، ومن هنا جاء التعارف.
وذات مرة دخلت مكتب صلاح وكان يرسم لوحة لمبنى أثرى، فسألته عنه وأجابنى ضاحكا "هذا الأزهر"، واصطحبنى بعدها لزيارة الحسين والأزهر، وبعدها جاء الحب ثم الزواج.
وتزامنت النكسة مع الفترة التي تزوجنا فيها، وأرى أن صلاح مات مرتين قبل ذلك.. الأولى بسبب النكسة ولولا أنني أحببت صلاح وأحافظ عليه وعلى أسرتى الصغيرة لكنا انفصلنا بعد النكسة، لأنه أصبح شديد العصبية وحاد المزاج بشكل لافت للنظر، وكانت تنتابه حالات من الفرح والحزن وبعض المتاعب النفسية بسبب الهزيمة.
وفى عام 1970 مات صلاح للمرة الثانية، وأذكر أننا عندما سمعنا نبأ وفاة جمال عبد الناصر كنا مجتمعين مع أسرة الفوازير التي كنت أقوم ببطولتها قى ذلك الحين، وعندما علم نبأ الوفاة نزلت الدموع من عينيه، وقال "لابد أن نستمر ونقاوم الموت بمزيد من الرغبة في الحياة والعمل".
وعن علاقته بأسرته أوضحت منى قطان أن صلاح كان من النوع الذي يهتم بأولاده، وكان عادلا لا يفرق بين البيتين، فالعدل كان سمته الأساسية ولهذا اعتبرت بهاء وأمينة أولادى مثل سامية تماما.
كنت أصاحبه في كل مكان، جعلنى أحب الزحام والأماكن الشعبية، فكل مكان زرته معه له طعم مختلف، لم أستغرب سلوكه مع البسطاء في أي منطقة شعبية لأنه فنان.
إحساسى بفقد صلاح كان وما زال كبيرا ، لدرجة أننى لا أستطيع حضور ندوة لتكريمه أو الاحتفال به، أو حتى قراءة ما كتب عنه بعد وفاته.