فؤاد زكريا.. والموت الرحيم للصحافة المصرية
يحمل بداية شهر ديسمبر الحالى، ذكرى من نوع خاص، ميلاد المفكر المصري العظيم، الدكتور فؤاد زكريا، وباستثناء مقال واحد ذُكر فيه الرجل بشكل عابر، ولم يكن مخصصًا للحديث عنه بالأساس، مرّت الذكرى دون احترام يليق بأعمال زكريا، التي يخلدها التاريخ.
و"فؤاد زكريا" لمن لا يعرفه، هو فيلسوف مصري، وأحد أهم أعلام الثقافة والفكر المصري والعربي المعاصر، وهو أيضا التلميذ النجيب للفيلسوف المصري العلامة "زكي نجيب محمود"، وأحد أهم الذين تلقوا الفلسفة والتفكير النقدي على يديه.
والحقيقة مرارة إغفال سيرته، لا تجعلنا في حاجة الآن للاسترسال في الحديث عنه، فيمكن لأي قارئ تتبع ميراثه على الإنترنت، ومعرفة كنوزه في المكتبة العربية، عن هموم العقل والفكر والنقد، ولكن الحاجة الملحة الآن، معرفة لماذا يتجاهل الإعلام المصري بكافة مشاربه، إحياء الكنوز الفكرية والثقافية للوطن، ولماذا لا يعني نفسه بتجديد الفكر والنقد والأدب، رغم السطحية والتدني والإسفاف، الذي يعاني منه قطاع ليس هينا من المجتمع، ويشتكي منه الكبير والصغير؟!
والسؤال الذي يطرح نفسه: أي جريدة مصرية يمكن للقارئ المثقف أو حتى العادي تذكرها حاليا، أثارت معركة نقدية، وفتحت صفحاتها ولو لـ 1% مما كان ينتجه العصر الذهبي للصحافة المصرية، عندما كانت تحمل لواء الثقافة، وتقحم القراء عنوة في متابعة المعارك الأدبية الشرسة، بين رواد الأدب والفكر والثقافة.
أي معركة نقدية يمكن تذكرها للصحافة حاليا، وينسب لها الفضل في أرشفتها، كما وثقت قديمًا معارك أدبية ونقدية، يعرفها العرب من المحيط إلى الخليج، ولا زالت قبسا من نور، في الذاكرة الثقافية والفكرية العربية، وعليها تستند أغلب الأبحاث الفكرية والنقدية والشعرية لكبرى الجامعات المعنية بالثقافة العربية في العالم.
عرفنا المعارك بين اللغة العامية والعربية الفصحى، ومفاهيم الأدب والنقد والشعر من الصحافة، التي انتهت حاليًا للأسف إلى اعتماد الفهلوة شعارًا لها، بما جعلها مُساهما لا ينكر دوره، بجانب أسباب أخرى بالطبع، في تصفير الأخلاق، وترجيح لغة المؤامرة والتربص، كمدخل سهل للمواطن، في فهم جل المواقف السياسية والاجتماعية والإنسانية.
يقول فؤاد زكريا في كتابه "آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة": المجتمع في حاجة كل لحظة إلى من يحثه على الثقة بالعقل، والاعتماد عليه في الفكر والفعل، لا أن يكون مشجعًا للعناصر ضيقة الأفق، التي تدعو للابتعاد، والاستعاضة عنه ببدائل أخرى، طالما اقترحت علينا، وطالما جربناها، ولم نفز منها إلا بالتخلف.
ويبدو أن "زكريا" كان يوجه حديثه هذا لصحافة هذا الزمان، ضمن المعنيين برسائله وكتاباته، حتى تفوق من غيبوبتها، بدلا من السير طوعًا في طريقها إلى الانتحار بالموت الرحيم، ووقتها لن يترحم عليها أحد!