رئيس التحرير
عصام كامل

الرئيس.. وصحة المصريين (2)


لقد أدرك الرئيس أن المنظومة الصحية في تراجع وصحة المصريين في خطر، ومن ثم جاءت تكليفاته للحكومة حاسمة بسرعة تصحيح الأوضاع الخاطئة واستئصال شأفة المرض من جذوره، صحيح أن ذلك لا يتم بالصورة المرجوة، لكن في يقيني أننا عرفنا العلة وبدأنا في بناء منظومة صحية سليمة ومواجهة أعتى الأمراض وأشدها فتكا بصحة المواطنين، ممثلة في فيروس سي والأمراض غير السارية مثل السكر والضغط والسمنة التي تؤثر على صحة القلب بصورة مباشرة.


الخريطة الصحية لمصر يعاد صياغتها الآن بطريقة علمية على أرض الواقع، فمبادرة 100 مليون صحة لا تعالج وتفحص ملايين المرضى فقط، بل تضع قاعدة بيانات صحية ضخمة لمصر أحسبها تجربة غير مسبوقة بل تحتذى في المنطقة والقارة السمراء بأكملها، ونواتج هذه المبادرة التي دخلت شهرها الثاني سوف تقول لنا بوضوح: ما عدد مرضى الكبد الوبائي والسكر والضغط الذين أظن أن هناك ملايين أخرى مبتلون بأمراض مزمنة غيرها مثل القلب والعظام.

ومثل هؤلاء المرضى قطعا لا ينتجون، ولا يمكنهم المشاركة بفعالية في الإنتاج، بل يستنزفون مواردهم الذاتية وموارد الدولة إنفاقًا على العلاج وتغيبًا عن الإنتاج وخصمًا من الرصيد القومي.

ما نعانيه الآن من فاقد اقتصادي وصحي كبير جراء الإنفاق الهائل على علاج المرضى، يقتضينا أن نستلهم روح التفكير العلمي ومنهجه الرصين في علاج تلك المعضلة الكبرى، وليكن تغيير الثقافة الغذائية والصحية للمصريين أولى خطوات استراتيجية العلاج بعيدة المدى، وعودة ممارسة الرياضة بصورة جماعية في مدارسنا وجامعاتنا ومجتمعنا كله وتغيير نمط الغذاء.

وقبل هذا وذاك تكريس مبدأ الوقاية خير من العلاج، لمنع تفشي المرض وخصوصا ما يتعلق بمسببات التلوث مياهًا وغذاءً وهواءً، وهي للأسف كثيرة ومعروفة، لا سيما الصرف في مياه النيل وري بعض الزراعات بمياه المجاري، فما جدوى بشر لا ينتجون، وما جدوى عقول لا تبدع ولا تقدر على التفكير العلمي المنظم؟!

تمويل منظومة التأمين الصحي المأمولة يحتاج لتضافر الجهود المجتمعية كافةً، والبحث عن صيغ غير تقليدية لتمويلها لإتمامه بأسرع ما يمكن، وفتح باب التبرع أمام القادرين ورجال الأعمال الوطنيين بطريقة شفافة وإدارة رشيدة، وفرض غرامات على المصانع الملوثة للنهر والبيئة، وفرض ضرائب على التبغ صادراته ووارداته وعلى الكماليات غير الضرورية.

من حق الأجيال القادمة علينا أن نوفر لها تعليمًا جيدًا يحاكي الثورة الهائلة في التكنولوجيا والمعرفة، وبيئة صحية صالحة للحياة وموارد متجددة من الطاقة وفرص عمل مناسبة وصحة عفية، فالحق في الصحة يعادل الحق في الحياة تمامًا ويعد شرطًا أساسيًا لجودة الحياة.

لقد أعطت مبادرات الرئيس في الصحة، لا سيما القضاء على قوائم الجراحات المتأخرة بصيصًا من الأمل، في ظل خريطة صحية مرعبة وأمراض تنهش صحة الملايين بلا رحمة.. والأمل كبير أن تتشعب تلك المبادرات وتنمو لتغطي كافة الأمراض حتى يصبح الحق في العلاج متحققًا كما أرداه الدستور.
الجريدة الرسمية